د. رحيل محمد غرايبة
الأكثر أهمية في موضوع القمة العربية يتمثل في دراسة الأثر المترتب على القمة العربية، وفي الإجابة على سؤال مهم يقول: هل استطاع العرب في قمتهم ارسال الرسالة المطلوبة إلى العالم من حولهم؟ إلى القوى السياسية الدولية والإقليمية التي تتدخل في شؤونهم، وما زالت ترى في العالم العربي ملعباً لهم ومسرحاً لاستعراض قدراتهم، وتحصيل مكاسبهم السياسية على ظهر العرب.
الإجابة الأولى جاءت سريعة من الطرف «الإسرائيلي» الذي يرى نفسه معنياً بالدرجة الأولى في القمة العربية، وجاءت الإجابة على شكل قرار صادر عن مجلس وزراء الاحتلال ببناء مستوطنة جديدة في الضفة الغربية على أراضٍ تم مصادرتها من أصحابها بالقرب من نابلس، وتقول وسائل الإعلام أن هذه المستوطنة (الجديدة) لم تكن على غرار العشوائيات السابقة، وليس توسعيا لمستوطنات قائمة، بل هي بقرار جديد منذ (25) عاماً، مما يعني وبشكل مثبت الرد على العرب الذين أكدوا للسنة الخامسة عشر على التوالي على خيارهم السلمي بالتعامل مع الاحتلال الاسرائيلي.
الإجابة الأخرى كانت من واشنطن فيما يتعلق بسوريا، بالقول أن الشعب السوري هو من يقرر مسألة بقاء حكم الأسد،مما يؤكد التخلي عن مطالب المعارضة السورية ومن يساندها من الدول العربية ، بالإضافة الى التفهم الإيجابي لقرار إنشاء المستوطنة «الإسرائيلية» في الأرض الفلسطينية المحتلة، وسوف نشهد مجموعة من الإجابات العملية قريبا على المسرح السياسي الإقليمي من الأطراف الاخرى مثل تركيا وإيران بالإضافة الى روسيا طبعا.
ما بعد القمة سوف نشهد مجموعة من التحركات التي تخص التسوية الإقليمية، وسوف يكون التركيز على مجموعة من الاقتراحات تتعلق بالتسوية الأكثر أهمية المتعلقة بالاحتلال «الإسرائيلي» لأرض فلسطين، لأن كل ما يجري من أحداث في الإقليم لا يخرج عن ارتدادات اصل الداء وجذر البلاء المتعلق بالاحتلال حيث يراد من خلاله إعادة صياغة الإقليم كله جغرافيا وديمغرافياً وثقافياً وسياسياً، وهذا ما يتم فعلاً ويجري على قدم وساق .
«إسرائيل» تستعد للخطوة القادمة والحاسمة، بعد زوال الأخطار الإستراتيجية وانتهاء المهددات المتوقعة من بناء قوة عربية قادرة على الإخلال بتوازن القوة في الإقليم، مما يعني لها الانتقال نحو التوسع في سياسية الأمر الواقع المتمثلة بتكتيكات ثلاثة: إطلاق العنان للاستيطان، وقضم أكبر قدر من أرض الضفة الغربية، وفرض يهودية الدولة على العالم، وأخذ أكبر قدر من الضمانات وتعهدات بالشراكة وحفظ الأمن من المجموع العربي.
يبدو أن الرسالة العربية الصادرة من القمة لم تكن قوية ولم تحدث أثرها المطلوب إقليميا وعالميا، وإذا اراد العرب أن تكون رسالتهم قوية فلا بد أن تكتسب قوتها من خلال الملامح التالية:
أولاً: صياغة موقف عربي موحد، وبناء جبهة عربية متماسكة بالحد الأدنى، من ناحية سياسية قائمة على رؤية واحدة ورسالة محددة إزاء القضايا العربية وإزاء الإقليم والمنطقة، وهذا لم يتحققق حيث ظهر غياب واضح باللغة والخطاب والرؤية إزاء القضايا الجوهرية، مما جعل الأطراف الإقليمية ترى أنه لا تغيير حقيقيا مؤثرا يجعلها تتخذ مواقف مغايرة لما سبق.
ثانياً: كان بمقدور العرب التحالف مع إيران وتركيا، لتقوية الجبهة العربية التفاوضية، ضمن إطار مشترك من المصالح في مواجهة «إسرائيل»، ولكن هذا لم يحدثفي القمة العربية ، حيث أن الأقطار العربية أظهرت تبايناً سياسياً إلى درجة التناقض والتصادم فيما يخص العلاقة مع إيران وتركيا، مما جعل العرب ممزقين إلى عدة جبهات فيما يخص درجة التحالف والتنسيق تارة، وتارة أخرى نحو العداء المطلق، مما سهل على «إسرائيل» ان تأخذ نفس عميقا ومريحا في إتخاذ مسار التضييق على الأردن وفلسطين معا، وتقوية موقعها الافتراضي على طاولة المفاوضات القادمة.
ثالثاً: العرب في حاجة ماسة للتقدم على صعيد التنسيق والتكامل الاقتصادي، فيما يخص اجراءات الحدود الجمركية وسهولة التجارة البينية ، ورفع سوية التنسيق في المشاريع المشتركة التي تجلعهم أقل تبعية للموقف الأمريكي، ويجعلهم اكثر صلابة في موقفهم السياسي المشترك، وهذا لم يتحقق منه شيء ملموس على هذا الصعيد، مما يزيد من صعوبة الموقف العربي في خطوة إعادة التشكيل الإقليمي وتقاسم الأدوار وتوازن المصالح على الصعيد الدولي والإقليمي. وهذا مرهون بقدرتهم على تشكيل الجبهة العربية المتماسكة، والجبهة الإقليمية بالتحالف مع القوى الإقليمية الصديقة ، وبغير ذلك لا وجود لبارقة أمل.
عن الدستور