ماهر ابو طير
برغم ان الأغلبية في العالم العربي، تدين حادثة الاعتداء على البرلمان البريطاني، التي ادت الى مقتل وجرح عدد من البريطانيين والاوروبيين وغيرهم، الا انك تستغرب بحق، كيف يهلل آخرون فرحا بالحادثة، باعتبار ان بريطانيا مسؤولة عن ضياع فلسطين، ومتورطة في حرب العراق، وتقصف هنا وهناك، فهذا المنطق الثأري يعد جاهلا، بكل المعايير.
بريطانيا التي يعيش فيها ملايين المسلمين، في ظروف ممتازة، سواء بصفتهم مواطنين بريطانيين، او حتى لاجئين لم يحصلوا على جنسيتها، تعد الدولة الاوروبية الاقل تطرفا في معاملة المسلمين، داخل اوروبا، بل لربما يعد التطرف ضدهم غائبا، الى حد كبير.
الذي يعرف كيفية عيش المسلمين، بمن فيهم العرب، يدرك انهم يعيشون في ظروف ممتازة، حياتهم مصانة، وارواحهم، وارزاقهم، ولايعتدي عليهم احد، فالمسلمة التي ترتدي النقاب، تسير دون وجل في شوارع بريطانيا، دون ان ننكر وقوع حوادث عنصرية، تبقى قليلة مقارنة بدول اوروبية ثانية.
الذي نفذ الحادثة، يظن انه يثأر من بريطانيا، لسبب او آخر، لكنه في غمرة هذا الجهل، يغذي كراهية المسلمين في اوروبا واميركا،ويقدم دليلا اضافيا، على ان المسلمين، يقتلون سائحا، وبريئا، تحت ذرائع مختلفة،وهو ايضا، يتسبب بتشدد اضافي ضد المسلمين، على صعيد اثارة الشكوك ضدهم، على كل الاصعدة.
المسلمون في بريطانيا، ذاتهم، الذين فروا من ظروف سيئة في بلادهم، ومن الفقر والجوع، لايقبلون بالحادثة، فهم يدركون اكثر من الجالسين في العالم العربي، الكلفة التي تترتب عليهم، واذا كان هؤلاء لا يقبلون هكذا جريمة، فما هو الحق الذي يمتلكه عربي او مسلم، يعيش في بلاده، حتى يهلل للجريمة، التي تؤذي المسلمين اولا قبل غيرهم؟!.
علينا ان نلاحظ، انه كلما وقعت حادثة في مكان ما، كلما اتخذت اوروبا واميركا ودول اخرى، اجراءات اضافية ضد العرب والمسلمين، على صعيد منحهم التأشيرات ومراقبتهم وغير ذلك من اجراءات، واللافت للانتباه هنا، ان الفقه الذي يستند اليه المتطرفون في تبرير هذه الجرائم، يقول ان هذه ديار كفر، وعلى المسلمين مغادرتها الى ديار المسلمين، فلماذا يعيشون اصلا في تلك الديار؟!.
هذا كلام سطحي، فأغلب العرب والمسلمين فروا من ديار الايمان، التي يهلل لها هؤلاء، وهربوا من الجوع والفقر وقمع الانظمة، وغياب العدالة والمساواة، واحترام حقوق الانسان وغير ذلك، فكيف يأتينا اليوم، من يريد ان يقسم العالم الى قسمين، بهذه الطريقة؟!.
وجود المسلمين تاريخي في بريطانيا، التي توجد فيها مدن واحياء كاملة للمسلمين، ويتقبلهم البريطانيون تاريخيا، ولايعتدون على لباسهم ولادينهم، بل تعد بريطانيا البلد الاوروبي الاكثر بناء للمساجد، والذي يريد مسجدا في لندن او اي مكان يجد العشرات في كل مكان، اما مساجد بالطراز المعروف، او داخل شقق.
ثم لنتحدث بصراحة، الدافع الذي نحض عبره بعدم الاعتداء على الامنين في بلادهم، كما بريطانيا، لايرتبط بوجود المسلمين وحسب، فحصانة غيرنا من الناس، لاترتبط بوجودنا كمسلمين وحسب بينهم، ولو خلت بريطانيا من المسلمين، لما كان مباحا الاعتداء على آمنين وسياحا بهذه الطريقة التي حدثت، فالمبدأ لايتجزأ هنا.
الى متى ستبقى بعض الجماعات، تفكر بهذه الطريقة التيلا تحسب حسابا لسمعة المسلمين في العالم، وتصر بذريعة نصرة الاسلام، ان تتسبب بموجات عداء وكراهية لهم في كل مكان، وهل اثارة الذعر من عشرات ملايين المسلمين في اوروبا، يخدم الاسلام، ام يؤذي المسلمين قبل غيرهم؟!.
لابد ان نعترف هنا ان هناك خللا في الرؤية، فالبعض الذي يهلل لحادثة الاعتداء على جسر وستمنستر يقول ان بريطانيا قتلت عراقيين وسوريين مدنيين، في عملياتها العسكرية، ويشرحون لك عن الارث الاستعماري لبريطانيا، لتبرير كل هذه الافعال، وهذا امر غير صائب، فوقوع اي تصرفات من هذا القبيل، لا يعني ان ترد بذات الطريقة، والا اين الاسلام، الذي يمنعك من قتل المرأة والطفل والسائح والآمن، وبماذا سنختلف اذا عن غيرنا، اذا مارسنا ذات الطريقة، واستبحنا الابرياء، بذريعة انهم يستبيحون الابرياء، وهذا سؤال لابد من الاجابة عليه، دون ذهنية ثأرية؟!.
الذي يهاجم مدنيين في لندن، ويظن انه يخدم الاسلام، قد لايعرف وقد يعرف، انه يجلب ملايين اللعنات للمسلمين في بريطانيا اوروبا واميركا، لعنات ستتنزل على ابرياء وعائلات، لمجرد انهم مسلمين، وهذا امر ليس من حق الفاعل، ولا من لااقنعه انه مفيد للاسلام، ولابد من الاقرار بوجود اختلاف في موازين القوى بيننا وبينهم.
لقد آن الاوان ان نقف كمسلمين، ونقر بالاخطاء التي يتم ارتكابها، بأسمنا في العالم، ولايكفي ان نختبئ وراء تبريرات تبدأ بأستذكار ارث بريطانيا الاستعماري، او وراء قاعدة مشروعية رد الفعل على ماتفعله بريطانيا سياسيا وعسكريا، وغير ذلك من قصص، اذ ماهو النصر الاسلامي العظيم، في قتل سياح كانوا يمرون عبر الجسر السياحي الشهير، وماهي الجدوى من رسم صورتنا، كأناس غير مؤتمنين حتى للاماكن التي نعيش فيها؟!.
عن الدستور