حسين الرواشدة
حين طالبت في هذه الزاوية ( الخميس الماضي) مجلس النواب لكي يأخذ دوره ويمسك بزمام المبادرة لمناقشة الحكومة – محاسبتها ان شئت – حول مقرراتها الاقتصادية , كنت اخشى ان يرتد ابطاء النواب او عجزهم عن ذلك على الشارع , فيأخذ الدور ويملأ الفراغ , ويتحرك بالنيابة عن ممثيله , وقد حصل ذلك بعد اقل من ثلاثة ايام , كما تابعناه في مدينة الكرك .
اخطأنا – هنا – ثلاث مرات : مرة حين فاجأنا الناس بقرارات اقتصادية صعبة لا قدرة لهم على تحملها , دون ان نتوقع ردود افعالهم ونتحوط لها, او حتى ان نشاركهم او نشاورهم فيما اتخذناه، ثم نطمئنهم على ان المسطرة ستشمل الجميع , ومرة ثانية حين تعمدنا “ اغلاق “ قنوات التعبير والتنفيس امامهم , وحتى ان مجلس النواب الذي يفترض ان ينهض بهذه المهمات لم يقم بواجبه مع ان المفترض ان تكون “ القبة “ هي المجال المتاح لمثل هذه النقاشات والمحاسبات , ثم اخطأنا مرة ثالثة حين تعاملنا مع الموضوع كله بمنطق الاستهانة واحيانا بمنطق الاستفزاز , فلم نكتف بفرض الضرائب وانما الحقناها بقرارات اثارت غضب الشارع سواء اكانت في مجال الترفيه , او التعيينات غير المدروسة او المصروفات التي لا مبرر لها ، فيما لا نزال نطالب بمزيد من التقشف وشد الاحزمة , والناس ينتظرون المزيد من الشفافية والعدالة .
منذ بداية هذا العام تغير المزاج العام واصبح مضطربا وقلقا بما يكفي لاستدراك الحالة وقراءتها بشكل جدي وعميق , كانت الرسائل التي تنطلق من ابسط مواطن وتفيض بها وسائل التواصل الاجتماعي تكفي ايضا لمعرفة الاتجاه الذي نسير فيه , ثم جاءت استطلاعات الرأي لتكشف لنا ما تغافلنا عنه , وبعدها حدثت المقاطعة لبعض السلع ، المؤسف ان لواقطنا السياسية كانت مغلقة عن استقبال اي حديث حول انين “ اوجاع “ الناس واوضاعهم الاقتصادية الصعبة , والمؤسف ايضا هو ان بعض المسؤولين لم يتعلموا الدرس , لا الذي حصل معنا حين داهمنا الربيع العربي فتجاوزناه بفضل “ الحكمة “ التي وحدت مكونات الدولة كلها في صف واحد , ولا الذي حصل لغيرنا حين وقعوا في فخ المكابرة وها هم يدفعون ثمنها .
لم نتجاهل – فقط – مثل هذه الرسائل المزحمة بصورالاحباط والشكوى والتحذير , وانما تعاملنا معها باستخفاف وكأنها لا تعنينا , او كأننا لا نعرف طبيعة الاردنيين التي تشكلت من طينة الصبر والتحمل خوفا على البلد وانتظارا للفرج لكنها طينة ترفض ان يستخف بها احد , او ان يستفزها عابر طريق , ثم اننا سمحنا للبعض ان يعبث بنواميسها الوطنية , فيجاهر بفساده ويستقوي على البلد دون ان يتحرك احد لمحاسبته , ثم اننا اجهزنا على “ وسائطنا “ الاجتماعية التي كانت تمارس دور “ الاطفائيات “ حين تداهمنا الازمات , فلم نجد امامنا سوى “ شواخص “ جرى تنصيبها لا حول لها ولا قوة , وبالتالي عدمنا الظهير الاجتماعي كما اننا افتقدنا الظهير السياسي في الداخل وربما في المحيط ايضا , كل ذلك فعلناه بأنفسنا دون ان ننتبه الى التحولات التي جرت داخل مجتمعنا ومن حولنا وفي العالم ايضا , وهي تحولات اخطر مما نتصور , وربما اسوأ مما نتوقع .
الان , جاءت رسالة الكرك لتدق امامنا الجرس من جديد , ليس فقط لكي يصحوا اخواننا النواب من “ بياتهم “ الشتوي الطويل , ولا الحكومة من الاستمرار في مقررات فرض الضرائب وزيادة الاسعار , وانما ليستيقظ المجتمع وتنهض الدولة لمواجهة المرحلة الصعبة , والامساك بزمام المبادرة , وتعديل المزاج العام للناس , وتطمينهم على معيشتهم ومستقبلهم.
قبل ان تتدحرج كرة “ الاحتجاجات “ في الشارع , لابد ان تتحرك عجلة السياسة التي توقفت منذ سنوات , ولابد ان يغادر المسؤولون مقاعد الفرجة والرهان على صبر الناس وتحملهم , ولابد ان نستدرك غضب الناس وعتبهم بقرارات تعيد اليهم الثقة بدولتهم ومؤسساتهم , وتطمئنهم على كرامتهم وسلامة بلادهم , وتبعث فيهم الامل بسيادة القانون والعدالة , ونهاية عصر “ التغطية “ على الفساد , واستسهال تعويض الخزينة من جيوب المواطنين .
كما اننا لا نريد ان يخرج الناس الى الشارع , فقد جربنا ذلك كما جربه غيره , وكانت النتيجة بائسة , فاننا نطالب المسؤولين ايضا ان لا يدفعوا الناس الى الشارع , سواء بالمقررات التي تسلق على عجل , او باغلاق القنوات التي تمثلهم وترفع مطالبهم وتدافع عن حقوقهم بالنيابة عنهم ،واقصد – تحديدا – مجلس النواب الذي يفترض ان ينهض بدوره , والاعلام الذي يجب ان يعبر عن الضمير العام , والاحزاب التي لم نسمع صوتها حتى الان .