بقلم المحلل الامني العقيد الدكتور بشير الدعجة
انتشرت قبل عدة سنوات أكواخ أمنية تم زرعها من قبل جهاز الامن العام في عدد من التقاطعات والميادين والأماكن الهامه في المملكة ... وكان ذلك أيام مدير الأمن العام الأسبق الباشا محمد ماجد العيطان – رحمة الله عليه – وجاء انشائها بعد تمحيص ودراسة مستفيضة من قبل لجان متخصصة شكلت لهذه الغاية ... أشارت على الباشا العيطان بضرورة نشر الأكواخ الأمنية في المناطق التي تم دراستها بعناية فائقة ... اضافة الى مطالب المواطنين في مختلف المحافظات بانشاء أكواخ أمنية في مناطقهم .
وكانت هذه الأكواخ الأمنية تقدم الخدمة الانسانية والامنية والاجتماعية لطالبيها ... وتعزز الشعور بالامن والامان لدى سكان المناطق التي تتواجد فيها ... كما يشعر الزائر والسائح كذلك بالامن عند مشاهدته هذه الأكواخ الأمنية .
لقد وضعت خطة أمنية واضحة لتشغيل هذه الأكواخ الأمنية وجرى تزويدها بعدد من أفراد الأمن العام وكذلك بأجهزة الاتصال المختلفة وكافة المتطلبات اللوجستية لادامة عملها ... وكانت تعمل على مدار الساعة لتلقي الشكاوي أو المشكلات أو الملاحظات الأمنية ... حيث يتم تمريرها مباشرة للمركز الامني المختص الذي بدوره يتخذ الاجراءات الأمنية الفورية اللازمة وبسرعة قصوى .
ان فكرة انشاء الأكواخ الأمنية لم تأتي عبثا أو بقرار مستعجل دون دراسة مستفيضة بل جاءت بعد اجتماعات ومناقشات واستعراض لسلبياتها وايجابياتها وبناء على ذلك اتخذ قرار جماعي في المطبخ الامني لجهاز الامن العام بانشاء هذه الأكواخ الأمنية للمساعدة في ضبط الحالة الأمنية ومنع الجريمة بكافة أشكالها ... وتقديم يد العون والمساعدة للمواطن وللزائر ... ونشر سمة الأمن والأمان لدى القاطنين ضمن اختصاصها.
فالكوخ الأمني عبارة عن مفرزة أمن مصغرة يلجأ اليها المواطنين وملاذ آمن لهم لقضاء حاجاتهم الامنية المستعجلة عند الحاجة ... ومصدر قلق وخوف لأصحاب الاسباقيات وأرباب السوابق من انتشارها والحد من نشاطاتهم الاجرامية وأفعالهم اللاقانونية.
ان العديد من المواطنين وفي كافة المحافظات رحبوا كثير بانشاء هذه الأكواخ ... بل أن كثيرا من المناطق طالبت ومازالت تطالب بهذه الأكواخ الأمنية للفوائد الأمنية والانسانية الجمة التي تقدمها لهم ... وان السواد الأعظم منهم عند أقدام مديرية الأمن العام على ازالة هذه الأكواخ الأمنية أصيب بنوع من الاحباط الأمني ...والغضب على هذه الخطوة التي حرمتهم من الشعور أو تعزيز الشعور بالأمن والأمان بوجودها.
ان فكرة انشاء الأكواخ الأمنية قد لاقت استحسان ودعم من الجهات الحكومية ومباركة ملكية انذاك بانشائها وشاهدي في ذلك ... ان جلالة الملك عبدالله الثاني – حفظه الله ورعاه- قام بزيارة عام 2006- ان لم تخني ذاكرتي – الى مخيم حطين / الرصيفة ... وطالب الأهالي بعدة طلبات ... من بينها انشاء كوخ أمني على تقاطع الشارع الرئيسي قرب مدرسة ثانوية للبنات ... للحد من التحرشات والتجاوزات التي يرتكبها بعض الشباب أثناء دخول وخروج الطالبات من و الى المدرسة ... حيث أوعز جلالة الملك عبدالله الثاني الى الباشا العيطان – رحمه الله - بانشاء الكوخ الامني ... وفعلا وبزمن قياسي خلال 24 ساعة تم انشاء الكوخ ... وبدأ بمزاولة أعماله الأمنية والانسانسة والاجتماعية حيث لاق هذا الانجاز القياسي استحسان المواطنين واشادات به وسائل الاعلام .
وكان هناك اهتماما عاليا من قبل كافة مديريات الشرطة وقادتها بهذه الأكواخ بعد الثناء والمديح من قبل المواطنين على هذه الأكواخ وأهميتها الأمنية والانسانية والارتياح الأمني بين صفوف المواطنين الاسوياء ... وحدها من التصرفات والسلوكيات غير السوية من بعض المنحرفين وأصحاب الأسباقيات والمطلوبين .
لكن بعد تغير قيادة جهاز الأمن العام بفترة صدرت التعليمات والاوامر بازالة بعض هذه الأكواخ لعدم الجدوى من وجودها بل أصبحت نقطة ضعف لعمل جهاز الأمن العام ... وتعرضها وأفرادها للخطر ... ووقعت عدة حوادث بحقها وأفرادها من ضرب وحرق وغيرها من الأفعال اللامسؤولة ارتكبها البعض من المنحرفين والخارجين عن القانون ... أو نتيجة ثورة غضب من بعض المواطنين اتجاه اجراء أو تصرف قام به أحد أفراد الأمن العام بغض النظر عن رتبته وموقع مسؤوليته وصمه المواطنين بخطأ او تعسف في استخدام الصلاحيات ... وأصبحت الأن بعض الأكواخ الأمنية بعد هجرها ( اطلال كاطلال ديرة ليلى العامرية )... وملاذا للسكارى والمنحرفين ولقضاء الحاجات المستعجلة من الشباب الطائش وأصحاب الأمراض البولية .
ان انشاء الأكواخ جاء بعد دراسة مستفيضة وعصف ذهني وبعدها الخروج بقرار جماعي ... وافق على انشاء هذه الأكواخ أشخاصا ومسؤولين هم من وافقوا وقرروا بعد ذلك على ازالتها ... واني اتساءل هنا ... هل كانت موافقتهم لارضاء المسؤول الأول ... وبعد ذهابه قرروا ازالتها ؟!!!!... ألم يكونوا ضمن اللجان والاجتماعات التي أقرت انشائها ؟!!!! ... ألم تكلف هذه الأكواخ الأمنية مبالغ نقدية كبيرة وكبيرة جدا ؟!!! ... لماذا اذا تم انشاؤها ... ولماذا اذا تم ازالتها ؟!!! ... لماذا الموافقة على الانشاء والموافقة على ازالتها ؟!!! .
هل اجريت دراسة شاملة ومستفيضة قبل ازالتها ؟!!! ... ام ان القرار كان متسرعا ارتجاليا ... كون عددا منها تعرض للحرق والاعتداء على طواقمها ... ألم يكن هنالك وسيلة أخرى لمعالجة الاعتداءات ... وابقاء الأكواخ الأمنية ؟!!! ... هل كان هنالك تقييم حقيقي لسلبيات و ايجابيات هذه الأكواخ بعد مزاولتها أعمالها ؟!!! ... هل كان هنالك استنزاف لقوة المركز الأمني بوجود هذه الأكواخ التي لا توجد فائدة مرجوة منها بنظر من اصدر قرار ازالتها ؟!!! ... هل كان الاعتداء على هذه الأكواخ بسبب أخطاء جسيمة وكبيرة ارتكبت من قبل قوة الشرطة مما أثار غضب المواطنين ... ... او بصيغة اخرى هل الاعتداء على الأكواخ الأمنية تم من قبل أصحاب السوابق والمنحرفين أم من المواطنين العاديين بسبب ممارسات خاطئة من قبل الشرطة أو الحكومة ؟!!! .
فاذا كان الاعتداء تم من قبل اصحاب الأسباقيات والمجرمين والمنحرفين فقد تم الاعتداء على عدد من المراكز الأمنية في مختلف أنحاء المملكة والشواهد كثيرة ... فهذا يعني ضعف في القبضة الأمنية انذاك ... وتمرد هذه الشريحة على الأمن العام يعد سابقة خطيرة جدا... فالاعتداء على كوخ أمني هو اعتداء على هيبة جهاز الامن العام برمته...واذا كان نتيجة ثورة و غضب شعبي قام به المواطنين الاسوياء...تستطيع مديرية الامن العام بتجاوز ذلك والتغلب عليه من خلال نشر ثقافة الوعي بين المواطنين...وبيان اهمية هذه الاكواخ لهم... وليس ازالة معلم امني لعدم القدرة او العجز على حمايته ... علما بأن ثورة الغضب لبعض المواطنين لا تقتصر على الاكواخ الامنية بل تعدتها في بعض المواقف الى الاعتداء وحرق عدد من المؤسسات الحكومية والاهلية... وما حدث في عدة مدن اردنية شاهدي على ذلك ...فاذا كان سبب ازالتها عدم القدرة على السيطرة على اصحاب السوابق والمنحرفين...فهذا مؤشر خطير جدا على تراجع هيبة الامن العام...واستجراء واستقواء هؤلاء الخارجين عن القانون على جاز الامن العام...اما اذا كان نتيجة ثورة غضب للمواطنين جراء قرار حكومي او تصرف امني اغضبهم...فهذه ليست حجة كافية لازالتها لان في هذا الموقف الغاضب للمواطنين ... سيطال أكبر من الكوخ الأمني ... وهنالك شواهد أمنية كثيرة حدثت في عدد من محافظات المملكة ... والعلاج في هذه الحالة كما أشرت سابقا تثقبف المواطن بأهمية الكوخ الأمني له وأمنه كما يثقف بأهمية المؤسسات الحكومية والأهلية له وانها وجدت لخدمته وتوفيرا لوقته وجهده بوجودها بالقرب منه وبمتناول اليد بدلا من قطع مسافات طويلة واضاعة الوقت والجهد لانجاز معاملة أو توفيرخدمات له.
ان تعزيز حالة الأمن والأمان تتطلب مثل هذه الأكواخ الأمنية... وهي ظاهرة حضارية ووجودها يعزز حضارية الدولة ... وهذه الأكواخ منتشرة في معظم أنحاء العالم وخاصة بالدول المتقدمة ... وفي المناطق السياحية لمساعدة السياح والزائرين ... اضافة الى تعزيز حالة الأمن والأمان ...
اضف الى ذلك اختفاء ظاهرة دوريات الخيالة التي كانت تنتشر في بعض مناطق عمان وتجوب الشوارع والأزقة بفترات وأوقات زمنية مختلفة ... حيث كان يشعر المواطن و التاجر بأريحية امنية و تعزز الشعور بذلك ... و كانت مطلب لعدد كبير من المواطنين و التجار ... عدا انها كانت ناقوس خطر وانذار امني لأصحاب الاسباقيات والمنحرفين و المجرمين فكانوا يخشونها و يولوا هاربين من مناطق تواجدها .
و اتساءل هنا ... لماذا تم ايقاف هذه الدوريات الخيالة ؟!!! ...هل هي ايضا كانت تتعرض للايذاء و الخطورة ... فأن كان كذلك فهي مصيبة كبيرة ... و ضعف واضح في القبضة الامنية بل تراخيها لدرجة عدم قدرتها على حماية نفسها ...ام ان هنالك شكاوي ومطالب من المواطنين بضرورة عدم تواجدها بين الاحياء السكنية ؟ ... ام انه لا جدوى امنية و فائدة مرجوة من وجودها ؟ ... فكيف اذا تم اطلاقها بالمباركة على تسييرها ... ام ان الغائها كان بقرارات سطحية فردية مستعجلة غير مدروسة ؟ ...
فاذا جرى الغائها بطريقة لم تكن مدروسة ... فهذا يعني تخبط وعشوائية في قرار الغائها ... وعدم تقييم القرار تقييما صحيحا قبل اتخاذه !!!! .
انني استعرضت وضع الاكواخ الامنية ودوريات الخيالة... لاعادة التذكير بهما...ولاهميتهما الامنية خاصة في الفترة الحالية لتعزيز ثقة المواطن بجهازه الامني...وكذلك لزيادة وتعزيز الشعور بالامن والامان ومساهمتهما في القضاء على بعض الظواهر الجرمية والسلوكيات المنحرفة واللامسؤولة من بعض المواطنين الذين يهددون حالتي السلم والامن المجتمعي .
ان وجود دوريات الخياله التي تصل الى مناطق وأزقة وأحياء لا تستطيع الدوربات الالية الوصول اليها ...ولا تستطيع الدوريات الراجلة خدمتها كاملة بصورة كما تخدمها دوريات الخيالة ... وتستطيع دورية الخيالة التصرف بسرعة اكبر وبجاهزية اعلى مع الحدث الامني اكثر من الدورية الراجلة...كذلك ان الاكواخ الامنية ما زالت مطلب ضروري وملح لكثير ممن المناطق والاحياء السكنية...بل هي مطلب شعبي واسع...حيث اثبتت جدارتها واهميتها ... وايجابياتها متعددة اكثر من السلبيات التي نجمت عنها والتي تستطيع مديرية الامن العام بدراسة متأنية وعميقة وضع حلول شاملة متكاملة للسلبيات الناجمة عنها- ان وجدت - .
ان الباشا الفقيه مطالب باجراء دراسة متعمقة ومستعجلة حول الاكواخ الامنية ودوريات الخياله...للوصول الى نتيجة حول اعادتها للخدمة الامنية ام لا خاصة في المناطق الشعبية والمحافظات الاحرى ... وانني الفت نظره الى عدم اتخاذ قرار مستعجل غير مدروس حول ذلك ... مهما قدمت له من نصائح ارتجالية متسرعة غير مدروسة ( بحجة الخبرة ) ... فعليه اعداد دراسة كاملة حول ذلك ... و استعراض ايجابيات و سلبيات الاكواخ الامنية و دوريات الخيالة ... فاذا كانت الايجابيات كثيرة و ذات مردود امني وفير يخدم المواطن ... و السلبيات اقل من ذلك ... لكن عليه البحث عن السلبيات ومعالجتها ... وهل يستطيع تجاوزها ام لا و عليه بعد ذلك ان يقرر ... فعليه اتخاذ قرار جريء باعادتها للخدمة ... وتكون حركة ذكية وفي وقتها ويبهر بها المواطنين – كما يبهرهم الان ببعض اللمسات الرائعة التي اقدم عليها.. والتي نالت اعجابهم به -... وبدأ هذا الاعجاب ينمو شيئا فشيئا مغلف بنوع من الترقب والحذر لما هو قادم ...
ان جهاز الامن العام يكون حضاريا و متطورا اكثر كما اشار جلالة الملك لرسالته السامية الى اللواء الفقيه ... لو كانت مديرية الامن العام ومن خلال ادارة الدراسات الاستراتيجية قامت بأجراء دراسة شاملة واقعية حول ذلك ... و توزيع استبانة على المواطنين لمعرفة رأيهم حول ذلك ... مع الاخذ بالاعتبار البعد الامني الوقائي الذي تفكر به مديرية الامن العام ... وهو هاجسها الاول والاخير... و المفصل في عودة دوريات الخياله و الاكواخ الامنية للخدمة الامنية من عدمها .
اذا اسفرت الدراسة المستفيضة بأهمية عودتها فأنها تساعد جهاز الامن العام على تعزيز قبضته الامنية ... وتكون مصدر قلق وكابوس للمجرمين و ارباب السوابق و ستحد من نشاطهم الجرمي و بالتالي الحد من الجريمة و اسبابها ... و خفض معدلاتها التي يشير مؤشرها الى الارتفاع .
واخيرا انني اناشد الباشا الفقيه في حالة عدم اقتناعه بأعادة الاكواخ الامنية الى الخدمة الشرطية ... ان يصدر اوامره بأزالة ما تبقى من هياكل هذه الاكواخ الامنية ... للقضاء على الممارسات السلبية التي تحدث داخلها ... فبعد ان كانت مصدرا للامن و الامان و تقديم الخدمات الانسانية و الامنية و الاجتماعية النبيلة للمواطن و الزائر ... اصبحت ملما و مجمعا للزعران و المنحرفين يقضون اوقاتهم الشيطانية بداخلها ... فترسم صورة ذهنية سلبية مؤلمة عنها ... و تصبح حديثا للتندر و الاستهزاء بها من قبل بعض ذوي النفوس المريضة و الحاقدين على جهاز الامن العام و منتسبيه ... و تبقى بالرغم من انها هياكل مهجورة تمثل بوجودها جهاز الامن العام ... فعلى الباشا الفقيه ... ام اعادتها للخدمة او ازالتها نهائيا لانها ما زالت مرفقا من مرافق الامن العام ...... وللحديث بقية.