بقلم: سماح الهندي
موضوع ليس بجديد، والحديث عنه كان بأكثر من موقف، فكان لديّ داعي لذكره والإحاطة به لإيصال صوت مَن لا صوت لهم. هل بقي شاب أو شابة لم يتطوّع بأي مجال عمل ولفترات ليست بقليلة؟! أعلم أن التطوّع طبيعي ومُحبّب بسبب روح الإنسانية التي يمتلكها البعض، ولكن حين يشعُر الشاب أو الشابة أنّه مُجبر على التّطوع وذلك بسبب ما تتطلّبه الوظائف المُعلن عنها من سنوات خبرة أحيانًا لا تقل عن ثلاث أو أربع سنوات، فيذهب بكل نشاط للتطوّع وبذل قصارى جهده لتعميق الخبرة، والحصول على شهادة تُثبت ذلك، وكسب مهارات بمجاله أو خارج مجاله، ولكن لا يعلم أنّه سيَقع عليه كل هذا الإرهاق والمشقّة واستغلال للحُلم الذي يُراود ذهنه "الوظيفة" بدون أدنى وعي لنفسيته وظروف حياته وذلك دون مقابل طبعًا.
تسألونِي كيف ذلك! سأشرح لكُم.. عندما يتم وضع المُتطوع لأداء مهمة الموظّف الرئيسي في حين يُركن عليه أكثر من الموظف الذي يتقاضى راتب والذي يُصبح يتخاذل في عمله ويتسكّع في أدائه، ويحلو له وقتها أيضا الإجازات الرسمية والرّاحة أحيانا بالغياب أيضا، دون وجود موظف آخر يمسك مكانه سوى المتطوع فيُعتبر كبديل، وبسبب ما يحمله هذا المُتطوع من أملٍ بالوظيفة، كم من الأعباء ستُوضع عليه برأيكُم ولا تنسوا أنه دون مقابل؟ سأتناول بحديثي متطوعّي الإسعاف والطوارئ في كافة المؤسسات والمستشفيات الصحيّة وحتى الحكوميّة منها، التي من واجبها تقديم أفضل ما عندها من خدمات وذلك لأنها أهم خدمات المجتمع وهي الرعاية الصحيّة، عندما يكون يغُطي نسبة كبيرة من موظفيها مُتطوعين وذلك تحت تقديم وعود أشبه بالكاذبة من مُدراء الأقسام بحصولهم على تثبيت للوظيفة، وأنهم سيكونون الأوْلى لذلك منذ التدريب المُكلّفين به جامعيًا وبعد التخرّج كتطوّع ذاتي، هل عندما يؤدي المُتطوع واجبه الذي بدون مقابل سيكون بالكفاءة المطلوبة من الموظّف المثّبت؟! وهل نترك الأمر للضمير الإنساني لدى الفرد دون مُسائلة تهتم بصحّة أفراد المُجتمع.؟ بل وكيف ستُقدم خدمات على مدار أربع وعشرين ساعة وهي تعتمد على نسبة كبيرة من المُتطوعين؟! ولا ننسى فيتامين واو "الواسطة" ودوره الكبير بالتوظيف وبالتثبيت في حين ينتظر الآلاف هذه الوظيفة بعد سنوات من تطوّعهم ومحاولتهم كسبها. ومن جهة ثانية بحديثي فذُكر لي أنه في حال توفّر متطوعين يتم أخذ الموظف الرئيسي لمكان آخر يتطلب خبرة أكثر، ويترك المكان للمُتطوع لأداء مكانه ويُعتمد عليه بشكل كبير.. إذن في حين حاجتكُم لموظفين فلماذا لا يتم تثبيت المُتطوع لسنوات؟ أم كثيرًا عليه أن يُحظى بذلك وتنتظروا من له فيتامين أقوى؟! وعندما يكون بقسم الاستقبال لهذه المستشفيات عشرة سرائر فالطبيعي أن يتواجد عشرة أطباء وممرضين ولكن للأسف تواجد طبيب وممرضيْن فقط، كيف سيتم تقديم الخدمة بشكلها الصحيح والمُحترم لو وُجد ضغط في أية لحظة؟! طبعا لا يوجد حل حينها سوى الاعتماد على المتواجدين من المُتطوعين لفك النقص الموجود.
هل هذا هو الأصح بنظركُم! غير ذلك كله فكم من سائق إسعاف أو ضابط إسعاف الذي عمله سائق ومُسعف في نفس الوقت، يكون عمره من خمسةٍ وخمسين فما فوق. هل لديه من الصحّة ما تكفيه لأداء مهمته بالشكل المطلوب، أم هو مجرد قضاء وقت دوامه للحصول على راتبه كل شهر..! في حين يكون العبء الجسدي والشاق على من يُرافقه من متطوعين شباب.. فمن أوْلى بذلك الراتب إذن؟! لماذا يبقوا في عداد المتطوعين دون مقابل في حين هناك حاجة لهم ولأدائهم؟ وسأشير أنه بسبب نقص الوظائف بهذه الاقسام يؤدي بهم لعدم وضع الشخص المناسب بالمكان المناسب فمثلا وضع سائق إسعاف مديرًا للصيانة، هل دومًا لديه خبرة بالصيانة؟ بالطبع لا ولكن لأنه يُجد من يسُد مكانه من متطوعين، وأيضا في حين يكون المُتطوع أو المُتدرب مُبتدئ بدون موظف رسمي يُرشده ويساعده إلى أي حال سيصل الأداء بالخدمة المُقدمة؟! مثالُ شابٍ تطوّع بالهلال الأحمر ضابط إسعاف منذ 2013، وبعد الحرب تم تثبيت من لهم وساطات ومعارف وهو ما زال متطوّع تقريبا ل4 سنوات، غير تطوّعه بوزارة الصّحة سنة ونصف.. وفي مستشفى الخدمة العامة شهرين على أساس وظيفة وفي مستشفى جنين كذلك ولكن كما ذكرت ليس سوى مجرد وعودٍ كان يتلقاها في كل مرّة. فكما ذكر لِي يُرسَل له على أنّها وظيفة وبمقابل وبعد فترة من عمله يُقابَل بكلمة "لا مجال للوظائف لدينا" ويترك له خيار البقاء وذلك بعد استنزاف جزء كبير من طاقته ووقته ونهايةً نفسيّته.! ويُوجد أيضا مَن هو موظّف رسمي بالحكومة أو بالقطاعات الخاصة ولكن يتم تعيينه بالإسعاف والطوارئ بهذه المستشفيات بنظام عقود أو شفتات الذي يتقاضى مقابله راتب بسيط إلى جانب عمله.. فأي فرصة تُترك للمتطوعين الشباب؟! لو استمر إهمال تطوّع هذه الفئات من الشباب التي يجب أن تكّرم وليس فقط إثبات مكانتها.. فإلى أي مرسَى سيؤول بنا الحال؟! وهل سنجد من يتطوّع بعد ذلك بهذه المجالات وغيرها؟! رسالة أردتُ إيصالها من متطوّعين، حالهم كحال الآلاف من الشباب بلا وظائف، ولكن يأملون إنصافًا ولو بعد حين، فجهدهم بات يغرُس حالًا يُرثى له.
* إعلامية فلسطينية