مشهدان لا يمكن تجاوزهما بسهولة، الأول
منظر طائرة زعيم منظمة فاغنر يفغيني بريجوين وهي تهوي على الأرض وتتحطم ويقتل هو
ونائبه ديمتري أوتكين، أما المشهد الثاني هو تسليم الرئيس الأميركي السابق نفسه
للسلطات في السجن التابع لولاية جورجيا
بعد أن قررت المدعية العامة بأن ترامب يجب أن يعامل مثل غيره من المتهمين.
بين الرجلين تشابه كبير رغم الفارق
بالمنصب السياسي والفارق ايضاً بين النظامين اللذين ينتميان إليهما، فالأول رئيس
الولايات المتحدة الأميركية، والثاني رئيس منظمة عسكرية تعتمد على المرتزقة،
كلاهما ثري ويمتلك مجموعة من الشركات على مستوى العالم وينتقل بطائرته الخاصة،
وكلا الرجلين يتمتع بشخصية كاريزمية قادرة على اجتذاب الاتباع بمنتهى السلاسة، ولكل
منهما وجهة نظره بالنخب الحاكمة وإن كانت وجهة نظر بريغوجين تعززت في أثناء الحرب
على أوكرانيا وفي باخموت بالذات حيث اعتبر القادة العسكريين الروس بأنهم مجموعة من
الفاسدين، أما دونالد ترامب فقد كان دوماً يعتبر النخب السياسية التي تحكم واشنطن
ليسوا سوى أقلية من الفاسدين، وعندما فاز بالرئاسة اعتبر أنه نبي الأميركان والذي
عليه ان يحررهم من عبودية هذه النخبة، وهذا ما قاده للاعتقاد عندما خسر الانتخابات
بأن هذه النخبة تآمرت عليه وزورت الانتخابات كي لا يفوز، بنفس الطريقة ينظر
بريغوجين الى نفسه فهو يرى أنه نبي الأمة الروسية
الذي عليه أن يحررها من النخبة العسكرية وسطوتها.
كلا الرجلين قاد انقلابه الخاص به،
فعلها ترامب عندما شجع أنصاره في 6 يناير عام 2021 على اقتحام مبنى الكونجرس
الأميركي معقل الديمقراطية الأميركية وعنوانها الأبرز، وهو المُنتِج الرئيسي
للأقلية السياسية التي تستعبد الأميركان وهو بالنسبة له الإله الذي يجب تكسيره
ووضع الفأس في رقبته، أما انقلاب بريغوجين فقد حصل عندما اعلن انه سيقود مسيرة
العدالة لتخليص روسيا من شر القيادة العسكرية في نهار السبت 24 يونيو في هذا
العام، اذاً كلا الرجلين يرى أنه مسيح زمانه، أما نهاية الرجلين فتتلخص بأن ترامب
أصبح أسير القضايا والمحاكم منذ خروجه من الرئاسة، إلا أنه لم يتعرض حتى الآن
لرصاصة أو يسجل ضده أي محاولة قتل رغم أنه هدد النظام السياسي الأميركي في معقله
وجوهر وجوده، ورغم فظاعة ما قام به ترامب بقي القضاء وساحات المحاكم هي الوسيلة
الوحيدة لمحاسبته، والأدهى من ذلك أنه واحد من أبرز المرشحين للرئاسة القادمة، أما
في روسيا بوتين، فإن القضاء لا يحتمل ثقل الصراع السياسي والعسكري، فالموت هو
الخيار الوحيد لحل مسائل الاختلاف في وجهات النظر وبريجوين لن يكون ابداً الشخص
الأول أو الأخير فقد سبقته قافلة من الشخصيات المعارضة وستلحق به مثلها في السنوات
المقبلة إن بقي الرئيس بوتين على رأس السلطة.
لم تتفاجأ الأوساط العالمية عندما حدثت
التسوية بين بوتين وبريجوجين بعد تمرده
العسكري الذي هدد الدولة، ولا عندما تم
إسقاط جميع تهمة بجرة قلم، فالجميع كان على يقين بأن الحكم صدر منذ اللحظة الأولى
وبقي موعد التنفيذ والذي أُجل ريثما يسلم مفاتيح ملفاته والتي تزامنت مع زيارته
لأفريقيا بلاد الكنوز المهجورة، وهو ما تم تنفيذ أخيراً مع خليط من الغمام يبقي
المُنفذ مجهولاً، هذا هو الفارق بين حضارتين وهذا هو الفارق بين نظامين، نظام
يُعمِل القانون وبوابات المحاكم، ونظام يعتمد على الفرد وتقلباته ورهاناته على
البقاء، أما أي النظامين قادر على الانتصار فهذا رهن المستقبل وربما يعطينا
التاريخ بعض أسرار الإجابة.