د. رحيل محمد غرايبة
المشهد العربي القادم لا يبعث على التفاؤل، ويعطي كثيراً من الظلال القاتمة، والأدهى والأمر في هذا الموضوع، أن العرب هم الأكثر غياباً والأقل حضوراً في رسم معالم مستقبلهم وتقرير مصيرهم، وأكثر مثال صارخ على ما سبق هو (مؤتمر الاستانة) ومشروع الدستور الروسي المقترح لسوريا المستقبل.
جاء الدستور الروسي المقترح مكتوباً باللغة الروسية، وما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام إنما كان عبارة عن شذرات من الترجمة من «اللغة الروسية»، حيث جاء في المشروع الجديد ما يشير إلى إسقاط كلمة العربية من اسم الدولة؛ فالمقترح «الجمهورية السورية» بدلاً من» الجمهورية العربية السورية»، من أجل ضمان حقوق غير العرب في المجتمع السوري، مثل الأكراد على وجه التحديد، وتسهيل عملية ايجاد كيان كردي بحكم ذاتي على غرار ما تم في العراق، وبعض المراقبين يشيرون إلى أن الدستور يمهد إلى نزع سوريا من عروبتها وعزلها عن محيطها العربي.
القضية الثانية التي تم رصدها في مشروع الدستور الجديد الاشارة إلى علاقتها في دول الجوار بالقول: «تبني سوريا علاقتها مع الدول الأخرى المجاورة على أساس حسن الجوار والأمن المتبادل» وهذا النص يقصد به العلاقة مع الكيان الصهيوني الذي يحتل أرض سوريا منذ عام (67)، ويضيف الدستور في هذا السياق: «سوريا تنبذ الحرب كنمط للإخلال باستقلال دول أخرى أو كوسيلة لحل نزاعات دولية» حيث أصبحت الإشارة أكثر وضوحاً الى أن المقصود بكل تأكيد إرسال رسائل طمأنة لدولة الاحتلال، ومن أجل إرضاء الطرف الأمريكي، الذي يريد إعطاء مساحة أكثر اتساعاً للدور الروسي في إدارة شؤون المنطقة وتعبئة الفراغ الأمريكي.
القضية الثالثة تتعلق بالبعد الطائفي الذي يجري تكريسه في المنطقة العربية من قبل جميع الأطراف الاستعمارية والقوى الخارجية التي نصبت نفسها والياً على الدول العربية وشعوبها حيث جاء في المادة (64): «يكون التعيين لمناصب نواب رئيس الوزراء والوزراء متمسكاً بالتمثيل النسبي لجميع الأطياف والأعراف القومية لسكان سوريا، وتحجز بعض المناصب للأقليات القومية والطائفية؛ ما يشير بوضوح إلى التوافقات الدولية على نموذج المحاصصة الذي تم ابتداعه في لبنان أولاً ثم جرى تطبيقه في العراق على إثر الاحتلال الأمريكي، ويراد في سوريا بعد الاحتلال الروسي أيضاً، وقد نص مشروع الدستور على اعتماد اللغتين العربية والكردية كلغتين رسميتين متساويتين.
والغريب في مشروع الدستور الجديد المقترح من قبل روسيا الذي ينص على المحاصصة في توزيع المناصب، أن هذا المعنى لا وجود له في دساتير الدول الكبرى التي تحوي طوائف وعرقيات وقوميات متعددة أكثر من الدول العربية، ولكن نجد الدساتير فيها تنص على أساس المواطنة ونفي الفرقة ونبذ المحاصصة؛ لأنهم يعلمون أن تكريس الطائفية واعتماد مبدأ المحاصصة إنما يأتي في سياق تقسيم المجتمعات العربية وإثارة نوازع الفرقة الأبدية بين مكوناتها، بعد أن تم انجاح ذلك في النموذج اللبناني.
الدول الصديقة لسوريا والعرب جميعاً إذا أرادت تقديم المساعدة للدول العربية، ينبغي أن تكون المساعدة للشعوب في تقرير مصيرها، ومساعدتها في إرساء الديمقراطية والحكم الرشيد القائم على الانتخابات الصحيحة المعبرة عن ضميرها العام وأغلبيتها الساحقة، ولا تكون المساعدة بفرض الوصاية والتدخل الفظ في مصادرة سيادتها، ولا يكون بنشر بذور الفرقة والانقسام بين مكونات المجتمعات العربية التي تشكلت عبر مئات السنوات، ولم تكن تعرف هذا النواع من النزاعات الدينية والمذهبية والعرقية إلّا بعد التدخل الخارجي الاستعماري القائم على استعمال القوة بطريقة غير مشروعة.
عن الدستور