بات واضحاً أن الإحباطات الميدانية التي تتعرض لها الأجهزة
الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية ترتبط طردياً مع التصعيد الخطابي الإسرائيلي،
وتكاد استراتيجية التوتير هي المتبقية في ترسانة الحلول الخاصة برئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العالق في حلف انتهازي من المستوطنين في الأراضي
الفلسطينية بوصفهم الحائط الاستنادي لوجوده في السلطة.
من هذه الوضعية المأزومة تأتي التصريحات ذات الطبيعة
التآمرية، والمجردة من الصبغة الأخلاقية في رهانها على إضعاف السلطة الوطنية
الفلسطينية ووضعها بين خيارين، فإما البقاء مع دور وظيفي مدفوع الأجر لمصلحة
الجانب الإسرائيلي، أو الدفع بالسلطة إلى الانهيار والانتقام مع الفلسطينيين بصورة
جمعية، وفي الحالتين اجتثاث فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة.
نتنياهو بعد اندفاعه بأوراقه كافة تجاه اليمين المتطرف يستمر
في استرضاء جمهوره السياسي والانتخابي، والهدف هو تطويع السلطة أو تقويضها، وفي
الحالتين، تجريد الشعب الفلسطيني من الثمرة الوحيدة التي حازها بعد نضاله الطويل،
وبما يعرض الفلسطينيين إلى مخاطر جسيمة على المستوى الوجودي والإنساني.
في هذه الظروف، فإن موقفاً أردنياً يتشكل على أساس مجموعة من
المقدمات تجعل دعم السلطة الوطنية الفلسطينية أولوية أردنية وطنية وسياسية
وأخلاقية، فهذه السلطة هي النواة التي ينبني عليها مشروع الدولة الفلسطينية
المستقلة الذي تتبناه الأردن وتدافع عنه في مختلف المحافل الدولية.
فحماية الفلسطينيين ودعم صمودهم على أرضهم، والحفاظ على
المقدسات، وحصول الشعب الفلسطيني على حقه في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة)
تعد في مقدمة القضايا الاساسية التي لا يمكن تحقيقها بعيداً عن (دعم السلطة
الوطنية) بصورة مبدئية وثابتة وواضحة.
وانطلاقا من الايمان العميق بأن مبدأ حل الدولتين وقيام
الدولة الفلسطينية المستقلة هو السبيل الامثل لتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة،
ولأن السلطة الفلسطينية تعد احد الشركاء الأساسيين في هذا الحل فان النفس التآمري
الإسرائيلي المتغول على السلطة يجب أن يتم ردعه وترويضه في هذه المرحلة، لأن أي
هزة تتعرض لها السلطة بسبب أي خلاف داخلي، تشجعه وتغذيه اسرائيل او اية اطراف
اخرى، أو اعتداءات من الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين، أو أي منهجية أخرى لإضعاف
السلطة الوطنية في فلسطين سيقود إلى فوضى ليس في الاراضي الفلسطينية وحدها وانما
قد تمتد لتطال مظاهر عدم الاستقرار بالمنطقة برمتها.
وبغض النظر عن أي ملاحظات تستهدف دعم السلطة وتمكينها، إلا
أن الأولوية تبقى للعمل على تعزيز اهمية ودور السلطة وأجهزتها الأمنية والإدارية،
خاصة وأنها القوة الوحيدة على الأرض التي تتمتع بالشرعية الداخلية والدولية، وإذا
فقد الفلسطينيون هذه القوة فإن الوضع سينزلق إلى فوضى وفتنة داخلية لن تترد
اسرائيل في استثمارها اما على شكل اعادة احتلال الضفة الغربية، أو قضم المزيد من
الأراضي وتهجير الفلسطنيين منها.
اليوم، يظهر دعم السلطة الوطنية وصمودها بوصفه مصلحة
فلسطينية وأردنية وعربية لإجهاض مؤامرة اليمين الإسرائيلي المتطرف، وتفويت الفرصة
على الاحتلال للانفراد بالفلسطينيين وتقويض فرصهم في حياة كريمة وآمنة على أرضهم.
الأردن من جانبه لم يتأخر في تقديم رد واضح ومباشر، وبينما
تحدث نتنياهو في جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست عن ضرورة سحق طموح
الفلسطينيين في اقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، يأتي الموقف الأردني في
أعلى مستوياته علنياً مباشراً وواضحاً على لسان الملك في لقائه مع المواطنين أثناء
زيارته للرصيفة، وتشديده على ألا تراجع عن موقفه الشخصي وموقف الأردن بالنسبة
للقضية الفلسطينية، وتأكيده على واجب الأردن بالوقوف مع الشعب الفلسطيني وحمايته
من المؤامرات، وسيواصل الأردن العمل مع الشركاء في المنطقة والعالم من أجل تحقيق
هذه الغاية وصولاً إلى الحل الذي يرتضيه الضمير الوطني الاردني بتأسيس الدولة
الفلسطينية المستقلة وطناً آمناً ومستقراً لأهلنا في فلسطين وعاصمته القدس الشرقية.