بُعيد انتخابه بقليل غرد أردوغان دعونا
نبدأ القرن التركي، بهذه الإستراتيجية أسقط كل أدوات خصومه وجعلها صغيرة وضئيلة
أمام الطموح والهدف الذي يتوخاه لتركيا، وهذه الإستراتيجية مكنته من التغلب على
أربعة خصوم كبار كان أوله وأخطره التضخم الذي تآكلت بسببه دخول المواطنين الأتراك،
والخصم الثاني هو المعارضة الموحدة والتي تمكنت في الجولة الأولى وبرغم خسارتها من
إثبات أنها قادرة على لم صفوفها، أما الخصم الثالث وهو الزلزال وما رافقه من
اتهامات بالفساد لشركات البناء وعلاقتها مع اردوغان، اما الخصم الرابع وهو قضية
اللاجئين التي أصبحت قضية متفجرة في تركيا وأطلقت تياراً قومياً أقرب إلى
الشوفينية.
أما كيف استطاع ان يهزم كل أولئك الخصوم فهذه قصة تستحق
التعمق، فبالنسبة للتضخم والوضع الاقتصادي المتردي فهو لم ينكره ووعد في حال
انتخابه انه سيعمل على تحسينه لكن ليس بهذه الإستراتيجية تغلب على هذا الخصم بل
بالقفز فوقه وتجاوزه بتبني مقولة إن ما تواجه تركيا ليس الاقتصاد فهذه مشكلة يمكن
حلها، إنما ما يواجه تركيا هو البقاء فهناك أعداء يتربصون بتركيا يريدون الفتك بها
وفي مقدمتهم الغرب والمعارضة تتأمر معه لتحقيق هذا الهدف، وهو هنا وضع المعارضة في
خانة العمالة للغرب، ولكي يعمق جروح المعارضة اتهمها بالإرهاب وأنها تتعامل مع حزب
العمال الكردستاني لغايات انتخابية، ولم يقف عند هذا الحد بل اتهم المعارضة بأنها
تتخلى عن قيم تركيا الإسلامية وتتبنى القيم الغربية فهي تدافع عن المثلية والتحول
الجنسي، وهو هنا حول المعارضة من الهجوم الى موقع الدفاع عن النفس وأسقط بالتالي
من يدها ورقة الاقتصاد ووجه اهتمام الناخب التركي نحو قضايا هوياتية يسقط الاقتصاد
صريعاً تحت اقدامها.
أما بالنسبة للزلزال فيبدو أن
الإجراءات السريعة في عمليات البناء والإعالة للأسر المتضررة افقدت المعارضة هذه
الورقة في وقت مبكر ومراكز الفرز في هذه المناطق تثبت انها صوتت أكثر لصالح
أردوغان، بقيت ورقة اللاجئين والنعرة القومية تجاههم معضلة كبيرة لأردوغان لكنه
استطاع امتصاصها من خلال ما عُرف بالعودة الطوعية لمليون لاجئ سوري إلى مساكن أعدت
لهم في الشمال السوري بالتعاون مع دولة قطر، وهو بهذه الطريقة استطاع أن يُخمد
لهيب هذه القضية المتفجرة.
أما الخصم الرابع وهي المعارضة الموحدة
أو فيما عُرف بطاولة الحوار السداسية لقد استطاع اردوغان نزع أو على الأقل التخفيف
من شدة تأثير أدواتها والتي ذكرت سابقاً، لكن لا يمكن انكار أن هذه المعارضة رغم
فشل التوقعات بشأنها استطاعت لأول مرة أن تذهب بأردوغان إلى جولة ثانية، لكن لماذا
لم تستطع هذه المعارضة استثمار الفرص المتاحة لها للتغلب على الرئيس أردوغان؟ هناك
على ما يبدو مجموعة من العوامل ساهمت في إضعاف قدرتها على تحقيق الهدف أولها شخصية
مرشح المعارضة كمال اوليش دار اوغلو والذي فرض نفسه على الطاولة السداسية وأدى ذلك
الى اندلاع خلافات منذ البداية أدت إلى انسحاب ميلاد أوليشدار قبل عودتها من جديد
وانسحاب محرم انجه رئيس الحزب القومي مما يدلل على أن المعارضة لم تكن على قلب رجل
واحد منذ البداية.
تحالف كمال أوغلو مع حزب الشعوب
الديمقراطي الكردي وأثره على القاعدة القومية لتحالف المعارضة فقد كان الاعتقاد
بأن هذا الحزب سيعطي التحالف 12 %من أصواته كما حصل في الانتخابات الماضية لكن
النسبة الحقيقية لم تصل الى 8 %وبالتالي خسر التحالف اربع نقاط مهمة، كما أن
الاستغلال اللاإنساني لقضية اللاجئين وتأجيج المشاعر القومية كان له تأثير على
أصوات الناخبين الأكراد، فشلت المعارضة في استغلال قضية الزلزال والوضع الاقتصادي
كما ينبغي بسبب الحزم الاقتصادية التي دعم
بها الرئيس أردوغان موظفي الدولة قبل اربع ايام من الانتخابات حينما زاد رواتبهم
بنسبة 45 %وزاد الدعم على المحروقات.
نعم فاز أردوغان وفي نفس الوقت فشلت
المعارضة، فاز بالقرن التركي القادم وبتركيزه على العزة القومية، وصور المعارضة
بأنها اداة بيد الغرب والارهاب تهدف الى تدمير الهوية التركية وكذلك الأمة
التركية، وأنها لا تمتلك الخبرة في ادارة الملفات الصعبة التي برع هو في ادارتها،
وفشلت المعارضة بأنها صدقت بأنها موحدة وأن اردوغان ضعيف وأن الاقتصاد والزلزال
واللاجئين والمعارضة الموحدة قادرين على الإطاحة به، لقد فشلوا في فهم المعادلة وفاز أردوغان لأنه استطاع ببراعة أن يفهم خصومه
جيداً واستطاع أن يحبط ادواتهم ويجعلها
عبئاً عليهم.