لست مقتنعاً بالطريقة والأسلوب الذي
يُجري فيه مركز الدراسات الاستراتيجية استطلاعاته، ولا في أسلوب اختيار العينة
البحثية وضرورة تغيّرها من استطلاع لآخر، وكفاءة المستطلعين في أسلوب الأسئلة ورصد
النتائج، ولا في توقيت الاستطلاع وحياد المستطلعين والقائمين على الاستطلاع، لا بل
أن ثمَّة توظيف سياسي لنتائج الاستطلاع يرتبط بشكل كبير في تسميم المشهد السياسي
وتوتير الرأي العام.
ولعل نتائج الاستطلاع تؤشر على صوابية
ما ذهبت إليه، عندما يؤكد الغالبية من المستطلعين أنهم لم يتابعوا العمل العام
بطريقة أو بأخرى، وإظهار نتائج صادمة لا تعكس الواقع المجتمعي، ولا تسهم في معرفة
الرأي الفعلي للجمهور؛ ذلك أن المعايير العالمية في استطلاعات الرأي تأخذ بعين
الاعتبار التفرقة بين سياسة الحكومات، والظروف القسرية التي تكتنف واقع الدولة بما
لا تستطيع الحكومات مهما كانت فاعلة دفعها، أو تذليل الصعاب حيالها، أو معالجة
آثارها.
حكومة بشر الخصاونة حكومة وطنية تحفظ
للدولة هويتها ولونها الوطني؛ بعيداً عن محاولات السطو، واستدعاء الغلاة والعابثين
بشرف الموقع العام، والذي تأتي تلك الاستطلاعات العبثية؛ لتزيده صعوبة وإرهاقاً في
ظل ظروف اقتصادية صعبة، وإمكانات شحيحة، وموازنة مثقلة بالعجز الغضب والهموم،
ومؤامرات إقليمية ودولية تهدف لضرب سلمنا الأهلي، وصمودنا الوطني الذي لا نريد
لمراكز الاستطلاع أن تكون إحدى أدواتها.
نتائج الاستطلاع -أي استطلاع- يجب أن
تعكس سياسات الحكومة وفق معايير الممكن والمتاح، وبدون ذلك يكون الاستطلاع مؤذياً
للوطن برمته، ووسيلة للشتيمة والغضب، وأداة للقوى الموازية لتستقوي على سلطة
دستورية، وفرصة للخصوم السياسيين للإقصاء، والنميمة السياسية، ودس السم في الدسم
الوطني المتعب من ممارسات هؤلاء، والمثقل بالوقيعة من التيار الجديد.
أسلوب الاستطلاع خطير، ونتائجه تنبئ
بالتحريض على خلق رأي عام يقوّض سلطات الدولة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية
وكل مسارات التحديث السياسي، والاقتصادى ويحذر من مغبة آثار الأمنيات المتعثرة
التي لم تصدع لها الحكومة في ظني، ويؤشر إلى حالة من الحنق السياسي الذي يستعجل
رحيل الحكومة؛ لأسباب لا تمت إلى الموضوعية بصلة، ويشحذ الأقلام المتأهبة.
لم أقل أن حكومة الخصاونة عالجت كل
مطالب الناس وهموم الوطن، ولكن فريقها متجانس، ومنسجم، ومستقر. ورئيسها ومعظم
فريقها إن لم يكن جميعهم لا يملكون سوى رواتبهم للإنفاق على أسرهم، ولم يسجل عليهم
فساداً، أو جهوية، أو محاباة، وجلالة الملك -حفظه الله- كرأس للدولة، ورئيس للسلطة
التنفيذية يتابع أعمالها بحرص لا ينقطع، وعزم لا يلين، وهو الأقدر على تقييم
عملها، والأجدر بتقرير مصيرها، سيّما وأنها ما زالت تحظى بثقة ممثلي الشعب وفق
أحكام الدستور.
ثمَّة مصلحة وطنية عليا تعلو على
محاولات الضرب على خاصرة الوطن والتي عادة -للأسف- تكون مشبعة بالتحريض، وإذ كنا
نربأ بمركز الدراسات أن يشعل فتيل النقمة الوطنية؛ فإننا ندعو القائمين عليه أن
يعيدوا تقييم أسلوب عملهم وفق المعايير الموضوعية للدول ذات الظروف المشابهة، وبما
يحفظ للوطن أمنه واستقراره، ورخاء شعبه الأصيل دون مواربة أو استهداف.