من أبسط حقوق الشعوب على نخبها
السياسية أن تُختبر مسارات الإصلاح فيها بأمانة، ومن أبشع صور الخذلان الوطني أن
يجري تطبيق تلك المسارات بصورة شكلية تناقض مضامين الإصلاح وقيمها الحية بما يحفظ
للدولة استقرارها واستمرارها ومصالحها العليا، ولعل التطبيق الانتقائي والصوري
بخلاف الرؤى المطلوبة يشكل انتكاسة مخزية قد تنهض إلى مستوى الخيانة الوطنية
والعبث الممنهج بمصير وطن اُريد له أن يكون كالشامة بين الأمم.
النصيحة الوطنية غائبة، ورجال الدولة
المتقاعدون يعصبون عيونهم عنها، ويكتفون بالنقد العدمي الذي لا يسبر غور الأزمة
ويقترح معالجتها، ويعملون على تسطيح أفق التجربة في محاولة لإثبات عدم جدواها، اما
بقايا النخب في أروقة السلطة الرقابية ومفاصل أمانة المسؤولية فيلوذون في الصمت
المطبق دفعاً ودرءاً لضريبة النصيحة المحفوفة بالخطر والتي قد تقذف بهم الى
"دكة الاحتياط" أو يكرسون تبعيتهم لمسؤول أياً كان درجته لعل في ذلك
إسهام في إبقائهم في دائرة الأمان الوظيفي الباهت.
ليس في خلدي سوى شذرات إحباط متفاقم،
وقراءة معتمة لضمائر النخب التي أجهشت بالنحيب وغاصت في مزالق القلق الرديء،
واستحضرت العجيب الذي لا يليق؛ لا يملكون من القرار سوى ما يرضي رؤساءهم وأولياء
نعمتهم دون الارتقاء إلى قدسية القسم ومستوى الثقة الملكية والشعبية، نخب بائسة
يائسة تتوسط الخنوع وخطب ود المصلحة المهينة، نخب ليس لها من النصيحة سوى إطراب
آذان سامعيهم لعل في ذلك نجاة أو بقاء.
في التحديث والتطوير ثمة مفاتيح
أخلاقية وموضوعية للعمل الديمقراطي الوطني ضمن سقف الدستور وثوابت الدولة الراسخة
أهمها احترام قدسية الهدف الوطني، وفحوى الرؤى الملكية ومقاصدها الشريفة، وهذا لا
يمكن أن يتأتى بالوقيعة والرغائبية وإقصاء الآراء المستقلة الصادقة وخلق أنموذج من
"آلهة التمر" سرعان ما يجري التهامه إن لم يرق لمصالحهم، او فشلوا في
عبثهم النيء، وكل ذلك لا يمكن فهمه او تبريره أو تفسيره.
النخب المترنحة الضعيفة لا تحمل
مشروعاً ولا تحمي وطناً، والمشاريع الوطنية القائمة على التبعية للطامحين في إشغال
المواقع لا الشراكة في رسم المستقبل هي مشاريع مؤقتة تحاكي انتهاز اللحظة، ومسرعة
نحو زوال، والسلوك النخبوي المنفلت من عقال التجربة والحكمة، ومعايير الممارسة
السياسية العاقلة هو سلوك يغادر مساحات الاحتراف السياسي الذي يبشر بمستقل واعد يُمكّن
الأجيال المقبلة من مراكمة الإنجاز الوطني بأدوات عاقلة تتجاوز الرسائل السطحية
المستهلكة.
النخب المرتبكة والصامتة والمتخمة
بالخطابات المزدوجة، والمترعة بشهوة السلطة مطالبة بأن تتقي الله في الوطن وشعبه،
وأن تفسح المجال للشباب الذين لم تلوثهم السياسة بعد بأخذ دورهم الوطني في كل
مفاصل العمل الوطني والإداري والاقتصادي لعلهم في ذلك يجسدون الرؤى الملكية التي
لم يلامسها أحد بعد.