سنواتٌ طويلةٌ مضت على
عقد إمتحان الثانوية العامة، أو ما يُسمَّى بالتوجيهي ولا أعلم لماذا أُطلقَ عليه
توجيهي، لكن ربَّما لأنها مرحلة إنطلاق الطلبة للحياة، سواء كانت الحياة الجامعية
أو العملية، حيثُ يحتاجُ الطالب – مهما كانت قدراته المعرفية والثقافية – إلى توجيه،
ومرَّت السنين والأعوام ورأينا نتائج ونماذج مميزة من الخريجين الذين حملوا
مسؤولية المجتمع على أكتافهم وفي أعناقهم في جميع المجالات، سواء كانت التعليم أو
الصحة، وغيرها من المجالات التي دفعت مسيرة التقدم إلى الأمام، علماً بأنَّ
الإمكانيات المادية كانت بسيطة، من حيث عدد المدارس الثانوية والجامعات، ومع ذلك
كان هناك نماذج بشريَّة لديها القدرة على تحمُّل الصِّعاب مع الإصرار على النجاح
وتحقيق الآمال المنشودة على مستوى الأسرة، وبالتالي على المستوى المجتمعي، ولذلك –
في اعتقادي - التصق إسم التوجيهي بهذه المرحلة، المرحلة الثانوية
لكن،
ما الذي حدث اليوم؟ ما الذي حدث بعد زيادة عدد المدارس الحكومية والخاصَّة، وبعد
زيادة عدد الجامعات الرَّسمية والخاصة، بعد توفر كثير من الإمكانيات المادية –
ربما أبسطها وسائل المواصلات - ، هذه الإمكانيات التي لم نرى أثرها الإيجابي في
الآونة الأخيرة، بل على العكس صرنا نرى ونسمع آثاراً سلبية في المجتمع بأكمله، ولم
تستثني هذه الآثار فئة المتعلمين أو المثقَّفين!!
هنا
يبرز السؤال المهم، وهو هل فقدت مرحلة الثانوية العامَّة ميزة التوجيه؟ وهل فقد
التعليم بكافة المراحل القدرة على توجيه الطلبة؟ إنني – ويكل أسف – أقول "
نعم " !! لقد فقدت المؤسسات التعليمية القدرة على التوجيه، فترى معلمين
ومعلمات ومدراء ومسؤولين – بكافَّة المواقع -، حتى المرشدين التربويين بحاجة إلى
توجيه، ناهيك عن تراجع دور المعلم المربي، والمعلم القدوة داخل المدارس، إضافةً
إلى ذلك تراجع ملموس في دور الأُسرة، الذي اقلصرَ مؤخَّراً على دفعِ الأقساط
المدرسية دون أدنى متابعة، سواءً من الناحية التربوية السلوكية أو من الناحية
التعليمية، وبالتالي نتج عن هذه الممارسات طلبة هائمين على وجوههم، حائرين في
مستقبلهم، لا يعرفون لهم هدفاً، فاقدين توجيه الأسرة والمدرسة على حدِّ سواء!!
توجيهي،
بدون توجيه !! هذه الكلمات الثلاث تحوي الكثير من المعاني المؤلمة وكثيراً من
القيم الغائبة، وكثيراً من الأهداف الضائعة، وكثيراً من الأجيال الخاسرة ! ذلك لأن
غياب التوجيه يعتبر سبباً كافياً لعدم تحقيق الآمال والطموحات المرجوَّة من
الأجيال، وبالتالي تكون خسارة المجتمع كبيرة جداً، لأن الهدم أسرع من البناء، فقد
يحتاج بناء بنايةٍ سنة – على سبيل المثال – لكن يمكن هدمها في دقائق!!
نعم،
إنه توجيهي دون توجيه، بل هو تعليمٌ لكافة المراحل، دون توجيه، إذ مجرد
أن يخرج الطلبة من قاعات الإمتحان، يعمل البعض منهم على تمزيق الكتب والأوراق في
الشوارع، بأسلوب غير حضاري لا يدل على تربية أو تعليم، ومجرد إعلان نتائج إمتحان
الثانوية العامة - سواءً الدورة الصيفية النظامية أو التكميلية – نرى
الفوضى في الشوارع من خلال ما يسمى بالإحتفال بالنتيجة حتى لو كان المعدل خمسون
بالمئة!! إنه توجيهي دون توجيه عندما نرى الفوضى المجتمعية عند انتهاء الإمتحان
الأخير ولكافَّة المراحل أيضاً، ترى الفتيات والشباب – بحضور أولياء الأمور –
يرقصون ويصرخون في الشوارع دون حياءٍ أو خجل، فأين هي التربية؟ وأين هو التعليم؟
بل أين هو التوجيه؟ إنني أرى أمهات تصفِّق لبناتها في الشارع، وكأنها كانت تتمنى
أن ترقص معها!! تلك هي عقدة النقص لدى بعض السيدات – الأمهات – التي نسيت – أو
تناست – مسؤوليتها التربوية ! بينما بعضُ الآباء اقتصر دورهم على الإنفاق وفقدوا
دورهم في التوجيه والإرشاد والمتابعة!!
في
المحصِّلة، نرى أجيالاً تخرَّجت من المدارس دون توجيه، علماً بأنها تحملُ شهادة
" التوجيهي " ، لكن لحسن الحظ أن هذه الشهادة تحملُ عنوان الثانوية
العامة فقط، وليس التوجيهي، من هنا علينا إعادة النظر في كثيرٍ من الكلمات
والشعارات التي لا تحملُ أثراً إيجابياً على أرضِ الواقع، كما علينا إعادة النظر
في منظومة التربية والتعليم على حدِّ سواء، بل علينا إعادة النظر في كيفية تدريب
الأجيال على رسم خطواتهم وأهدافهم بأسلوب موَجَّه من قِبَل مختصِّين حريصين على
دفع مسيرة التربية والتعليم إلى الأمام !