بهاء النجار
كان حفل تنصيب ترامب يحظى بتغطية إعلامية كبيرة وصلت الى كل أنحاء العالم إضافة الى من حضره من الأمريكيين الذين تجاوز عددهم الـ 800 ألف شخص ، هذه التغطية الإعلامية جاءت نتيجة لما يمكن أن يقوم له الرئيس الأمريكي الجديد في علاقة بلاده مع دول العالم ، إذ تعتبر سياسة الولايات المتحدة الخارجية العنصر الأكثر تأثيراً في السياسة الدولية ، ولا نجد تنصيب رئيس دول أخرى يحظى بهذا الاهتمام رغم تأثير كثير من الدول في رسم تلك السياسة .
هذه التغطية الإعلامية استغلها الأمريكيون لبث ثقافتهم وتصديرها على أنها المثل الأعلى في تداول السلطة بشكل سلمي سلس ، فلا تفرّد ولا مواجهة مسلحة ولا أي قوة أخرى سوى قوة المؤسسات الديمقراطية التي تنبثق من إرادة الشعب ، لذلك فكل حركة وسكنة في ذلك الحفل فهي محسوبة ويستبعد أن تكون غير مدروسة ، فنحن نتحدث عن دولة هي أكثر دول العالم تنظيماً وفق المقاييس المرسومة .
فخطاب أوباما الرئيس المودّع وخطاب ترامب رئيس المستقبل والتقاليد المتبعة في ذلك التنصيب وغيرها كل ذلك مأخوذ بنظر الاعتبار الرسائل التي يمكن أن توجه الى المجتمع الدولي ، حيث استغل ترامب متابعة ملايين المتابعين من شتى أنحاء العالم ليؤكد أن سياسته التي أعلن عنها في حملته الانتخابية هي نفسها التي سيتبعها خلال رئاسته وهو يعي ما كان يقول في تلك الحملة ، وبالتالي جعل المخاوف مستمرة لدى عدد من دول العالم مثل العالم الإسلامي والصين والمسكيك وإيران وحتى إسرائيل ، ومخاوف داخلية لدى الشعب الأمريكي والحزب الديمقراطي بتبنيه سياسة ناعمة تجاه روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين .
ومن الأمور التي كان الأمريكيون يريدون أن يصدروها كثقافة شعب يعتزون بها هي الشعائر الدينية التي اتبعوها أثناء التنصيب ، فقد أقيم قدّاس قبيل حفل التنصيب بحضور الرئيس المنتخب ترامب ، ومن ثم أداء اليمين الدستورية من خلال القَسَم بالكتاب المقدس ( الإنجيل ) ، وهذه المراسيم الدينية هي ليست الأولى من نوعها في الولايات المتحدة ، فمثلاً عند منح شخص الجنسية الأمريكية يقوم بأداء قَسَم قانوني بالكتاب المقدس ( الإنجيل ) ، وكذلك عبارة وجود عبارة دينية على ظهر الورقة النقدية من فئة (100$) وهي عبارة ( IN GOD WE TRUST) والتي تعني (بالله نثق) او (بالرب نثق) او (ثقتنا بالله) او (ثقتنا بالرب) او ما شابه من الترجمات والتي تعني معنى واحداً ، المهم أنها عبارة دينية .
وهذا يفتح المجال لتساؤلات عدة : هل النظام العلماني الذي تتبناه الولايات المتحدة يبطنه نظام ديني (مسيحي) ؟! أم هناك إستراتيجية أمريكية جديدة تسعى الولايات المتحدة لبثها وهي نشر المسيحية مستغلة نظام العولمة الذي روّجت له ونفذته من خلال تقنيات الاتصالات الحديثة ؟! لو جاء الى البيت الأبيض رئيس غير مسيحي او ملحد فهل سيتّبع نفس هذه المراسيم المسيحية الصبغة ؟! هل ستسكت الولايات المتحدة او المتأثرون بعلمانيتها عن أي دولة إسلامية لو قامت بمراسيم دينية مماثلة ؟!فلو أقيم حفل تنصيب لرئيس دولة من الدول الإسلامية – حتى تلك التي تتبع نظاماً علمانياً رسمياً – وتكون من ضمن مراسيم ذلك التنصيب إقامة صلاة جماعة او جمعة إذا اعتبرنا جعل يوم الجمعة يوم التنصيب ، هل ستسكت القوى العلمانية وعلى رأسها الولايات المتحدة عن هذه المراسيم ؟! ولو وضعت عبارة دينية على الفئات النقدية لتلك الدول او جعل من مراسيم تسليم الجنسية هو القسم بالقرآن الكريم فهل سيمر ذلك بسلام ؟! أعتقد الجواب : لا .
هذه الأسئلة لا بد من الاهتمام بها ودراسة خلفياتها ونتائجها ، فقد يكون العالم مقبلاً على نظام دولي جديد ، نظام ديني بنكهة أمريكية كما كان هناك نظام ديني في إسرائيل ، وعلى العلمانيين الذين يعادون أي مراسيم دينية رسمية أن يعيدوا حساباتهم وأن يحترموا التقاليد الدينية – ولو الشكلية منها – كما احترمت الولايات المتحدة التي يستقون منها علمانيتهم تقاليدها الدينية .