رغم ان الجغرافيا وحدت جميع العناوين
لبلادهم إلا انهم بقيوا شعوبا كما كانوا ذو اعراق ولغات ذات اختلاف وخلاف، تاريخهم
حديثه كقديمه ما خلا فصلا فيه من نزاعات وحروب، ورغم التناقض والتباين بين قدراتهم
ومقدراتهم كان الاقتصاد هو أساس البناء لاقامة مشروع اتحادهم، فكان لهم بعد فهم
وإدراك لكل من صالحهم وصلاحهم السبيل السهل لتجاوز كل ذلك، وتم اعتبار احداث
الماضي مجرد كلمات ستبقى داخل كتب التاريخ وخروج اي منها لواقع الحال الآن سيعتبر
ضربا من ضروب التوافه، وتم مرادهم باتحادهم الذي بحنكتهم وذكائهم (بدأ وتوقف) عند
التجارة والاقتصاد، لتأتي اخيرا تداعيات المعارك في اوكرانيا لتهدد وحدة كيانهم
وكل النجاح الذي حُقق نتيجة توافقهم واتفاقهم.
فتماما ومن قلب القارة الاوروبية ومن
الدولة المحاطة كليا باليابسة الجمهورية المجرية (هنجاريا) التي لا تملك منفذا على
اي بحر، كان الاعتراض الواضح لمجموعة العقوبات الاخيرة على دولة روسيا الاتحادية،
وإضافة لذلك كان الرفض من قبلها الاستمرار بتقديم اي من الدعم لجارتها المنكوبة
اوكرانيا، موقف كان متوقع من العديد من المراقبين وإن تبعه بعد ذلك شئ من اللين
فقد تم اعتباره بمثابة اول البوادر لإنشقاق ما بهذه اللحمة الأوروبية.
لا شك ان روسيا كانت وما تزال تراهن
على تضعضع قوة هذا الحلف ضدها وخططت لذلك بإطالتها أمد حربها وهي تترقب قطف ثمار
صبرها فور تعمق حلول فصل الشتاء الحالي، فبرودة لياليه ستجبر دول اوروبا للحاجة
الى المزيد من استهلاك الطاقة التي كان يتم إنتاجها من الغاز التي كانت تصدره
روسيا بكل يسر لها، ومن الواضح أن هناك فرقا بدرجة المعاناة وتداعيات الأزمة
الحالية على صناعات الدول الاوروبية نتيجة هذا النقص ومثال على ذلك فرنسا التي هي
بعكس ألمانيا حيث اعتمدت الأولى على الطاقة المنتجة عن طريق المفاعل النووي، وكذلك
كان لطبيعة اختلاف المناخ بين باقي الدول بشمال أوروبا عن الدول بجنوبها دورا لا
يقل أهمية عن هذه الفروقات لوقع اثر تلك التداعيات والتي من الطبيعي أن تؤدي
لاختلاف بالمواقف.
وقد كان لما قامت به ألمانيا من خطوة
احادية الجانب بدعم مباشر لقطاعاتها المحلية والذي قدر بمائتي مليار يورو كل اللوم
الذي وصل لدى البعض لحد الغضب والحنق، وذلك بإعتبار ان هذا السلوك سلوكا انانيا
وينم عن عدم المبالاة بما تعانيه باقي الدول بالاتحاد، فكان أعلى الأصوات لازدراء
ذلك يخرج من العاصمة الإيطالية روما، الا ان هذا الدعم من ألمانيا لقطاعاتها كان
موضع ترحيب من بعض الدول الأخرى التي يعتمد اقتصادها كليا على اقتصاد ألمانيا،
فكان لهذا التناقض بالمواقف الوضوح الجلي لانتكاسة أُخرى لهذه اللُحمة الوطيدة.
من الواضح أن محور الأزمة يدور حول
الطاقة إلا أن هناك دائما وراء الأكمة ما وراءها، فمغادرة المستشارة الالمانية
انجيلا ميركل لموقعها وعدم قدرة خليفها المستشار اولاف شولتز على ممارسة الدور
القيادي الذي كانت تمارسة بحكم خبرتها التي استمرت لقرابة الستة عشر عاما أدى ذلك
لانتقال هذا الدور المعنوي القيادي إلى ايمانويل ماكرون رئيس فرنسا، وقد كان لرفض
اقتراح ماكرون من قبل شولتز للذهاب معا إلى بكين وذلك لبيان رسالة لقوة الاتحاد
الاوروبي إشارة واضحة على ذلك.
ومع كل ما سبق ذكره من مؤشرات وشواهد
يُصر البعض من المحللين ان أوروبا ستخرج بعد هذه الازمة أقوى من السابق فلا خيار
أمامها سوى الحفاظ على وحدتها، فالعالم يتجه نحو التكتلات بكل أشكالها ولا مجال
للتفرد لأي دولة من دولها لمواجهة اي من هذه المخاطر القريبة منها أو تلك التي قد
تأتيها من وراء البحار والمحيطات، وكما تجاوزت شعوبها اختلافاتها وخلافاتها
ستتجاوز هذة الأزمة وذلك لوعي وإدارك قياداتها السبيل الواضح لتحقيق صالحها
وصلاحها.