عندما قرر الرئيس الأميركي باراك
أوباما أن منطقة بحر الصين الجنوبي هي مصلحة قومية للولايات المتحدة وأطلق ما
سُميَ محور آسيا، والذي حول الاهتمام الأميركي نحو الصين التي باتت تعتبر الخطر
المستقبلي الذي يهدد الولايات المتحدة كقوة مهيمنة على العالم، رافق هذا القرار
تراجع في الاهتمام الأميركي بمناطق عديدة من العالم من ضمنها المنطقة العربية
عموماً والخليج العربي بشكل خاص، حيث أصبحت أقل جاذبية للأميركان، هذا الأمر أدى
الى ما يشبه حالة من الفراغ في القوة، مما أغرى القوى الإقليمية لإشغاله لذلك ظهرت
توترات هائلة أدت إلى عقد كامل من التوترات والصراعات، ولأن أي طرف من المتحاربين
لم يمتلك فائض القوة الكافي لهزيمة الآخرين وردع طموحاتهم في السيطرة على المنطقة،
هذا أوجد الحاجة إلى عقد تحالفات متعددة سواء داخل الإقليم او على المستوى الدولي
في محاولة لخلق ميزان من القوة يخدم رغبات كل طرف بالهيمنة.
الصين كانت واحدة من أهم القوى الدولية
الصاعدة والطامحة في نفس الوقت والمرشحة لتكون واحدة من البدائل المقترحة، وهي أي
الصين أدركت أن رحلة صعودها الاقتصادي لا يمكن أن تتحقق بشكل جاد إلا اذا رافقها
نفوذ جيوسياسي قادر على دعم هذا الصعود، وهذا يتطلب تأمين احتياجاتها من الطاقة،
وبالتالي علاقات سياسية قوية مع دول المنابع، وأيضًا بحاجة الى ممرات آمنة، وطبعاً
هذا يحتاج بالضرورة الى قوات عسكرية لحماية تلك الممرات، كل هذا دفع الصين الى
تطوير قوتها العسكرية وكذلك البحث عن تحالفات تضمن تحقيق طموحها الجديد، في
البداية وجدنا الصين تكون تحالفاتها العسكرية التقنية مع اعداء اميركا وكانت إيران
أهم مثال على ذلك، وفي أفريقيا استطاعت أن تحقق مكاسب كبيرة، صحيح أنها تدخل من
باب الاقتصاد لكنها سرعان ما تتحول الى التنسيق على المستوى الاستراتيجي.
أما على مستوى منطقة الخليج العربي
بالذات المملكة العربية السعودية فقد حكم الموقف من الصين ثلاثة أمور رئيسة أولها
أن الصين أصبحت الشريك الاقتصادي الأول مع المملكة على صعيد الطاقة مع فائض يميل
لمصلحة المملكة، الأمر الثاني هو الإدراك بأن الصين أصبحت فاعلاً دولياً كبيراً ومهماً
وربما تقفز الى المرتبة الأولى خلال العقدين القادمين، ولأجل عدم انجرافها في
إقامة علاقات استراتيجية مع إيران تمنحها فائضاً مستقبلياً من القوة، كان لازمًا
على الساسة السعوديين أن يفرملوا هذا التوجه، وهذا لن يتم إلا بإقامة علاقات
استراتيجية مع الصين، الأمر الثالث هو رغبة السعودية بصفع الولايات المتحدة على
المستوى الإستراتيجي بعد ما أبدته من عجرفة وتعال في علاقاتها مع المنطقة، وشجعهم
على ذلك الانسحاب غير المنظم من العراق وأفغانستان، وهذا أعطاهم الانطباع بأن
الولايات المتحدة ليس فقط لا تريد البقاء في المنطقة بل إنها غير قادرة على
التعامل مع قضاياها وهو ما ولد القناعة لديهم بأن الأفول الأميركي قد بدأ.
ولأن البقاء في منطقة مليئة بالضغائن
التاريخية والتي لا ترى فيها الاطراف بعضها بعضا إلا ميتةً أو ذليلة، ولأن كل
هؤلاء لم يستطيعوا هزيمة بعضهم بعضا بشكل كاسح ومُذل، لذلك فإن اكتساب حليف قوي
يجب أن يحظى بكل الطقوس اللازمة لتكريس قوته، فقبل أعوام استُقبل الحليف الأميركي
دونالد ترامب في السعودية بكل أشكال التبجيل والاحترام وعقد بدل القمة قمم أكدت
مكانة السعودية القيادية على كل المستويات، أما عندما جاء بايدن فلم يحظ حتى
بالمصافحة كتعبير عن كونه يمثل أمةً آفلة ولكنها متعجرفة، والآن يستقبل الرئيس
الصيني شي جين بينغ كزعيم لأمة مرشحة للزعامة بما يليق بهذه الزعامة من طقوس،
وسيعقد مع السعودين والخليجيين والعرب مجموعة من القمم تؤكد مكانة السعودية
القيادية وربما ترسم ملامح المنطقة لعقود قادمة.
لكن السؤال الذي يُلح في طرح نفسه هل
فعلاً تمتلك الصين عناصر القوة الكافية لتتبوأ مكانة الولايات الولايات المتحدة
كقوة اقتصادية وعسكرية تستطيع أن تحُل مكانها؟ أعتقد أن الأمر ما يزال بعيدا،
اللهم إلا إذا قررت الولايات المتحدة أن تتفق مع الصين على خريطة جديدة تقتسمان
بموجبها مناطق النفوذ في العالم المُبتلى بالقوى العظمى ومصالحها بالذات بعد أن
تيقنت أن الصين قادرة وبقوة على الدخول الفعال في مناطق نفوذ الولايات المتحدة
وإقامة التحالفات معها، وهذا يشكل ضربة في العمق للهيمنة الأميركية على العالم،
ولأن نتائج الحرب ستكون كارثية ربما تنهي الحضارة البشرية، فإن التفاهم على اقتسام
العالم يبدو هو الطريق الأمثل، وهذا يعطي لقاءات السعودية اهمية إستراتيجية بعيدة
المدى، على العموم يبدو الخيار الثالث ايضاً واقعيا وهو الدخول في حرب باردة جديدة
بين القوتين، وهذا سيعيد بدون شك الأهمية الاستراتيجية للمنطقة العربية.