لا يكاد يمر عام دون زيارة لرئيس وزراء
عراقي للأردن، أو رئيس وزراء أردني للعراق، وفي كل مرة يكون جدول الأعمال حافلاً
بالمشاريع ومثلها التمنيات، وفي الأثناء تضج وسائل الإعلام بالتحليلات المتفائلة
بغدٍ أكثر تعاوناً، ومع كل تلك الزيارات والتمنيات، والتي أصبحت عابرة لرؤساء
الوزارات، بقي مستوى التبادل التجاري ثابتاً عند حدوده الدنيا، والذي لم يتجاوز
نصف مليار دولار في الاتجاهين، وبقيت المشاريع عند حدود قاعات الاجتماعات وربما لم
تتجاوز عتبة الطاولات التي وقعت عليها، برغم كل حالات التفاؤل التي تصاحب رؤساء
بعينهم وحالات التشاؤم القلق التي ترافق رؤساء آخرين، وهذا يطرح سؤالا مشروعاً ما
الذي يجعل كل تلك التمنيات والأحلام أسيرة الورق وقاعات اللقاءات، ولا تجد طريقها
أبداً إلى ورشات التنفيذ؟ فقد بقي أنبوب النفط على حاله، وكذلك المنطقة الصناعية،
ولم يخط مشروع الربط الكهربائي كثيراً نحو التطبيق، ومشروع الشام الجديد الطموح
بين الأردن ومصر والعراق بكل ما يحويه من آمال عريضة ما زال يراوح بين النقاشات
والشكوك التآمرية.
لقد شاركت في نقاش أغلب الزيارات، وكنت
ضيفاً على العديد من الفضائيات العراقية، وأستطيع أن أستخلص أن ثمة تيارا راسخ
الوجود في العراق، لا يرغب بل ويقف ضد أي تحسن في علاقات العراق مع أشقائه العرب،
هذا التيار المدعوم من إيران يشغل الفضاء العراقي بقضايا متعددة؛ تبدأ من الأموال
العراقية المنهوبة والمستقرة في الأردن أو أي دولة عربية أخرى، وتمر بالمعارضين
العراقيين في تلك الدول، وبالمظلومية من أن مستوى التبادل التجاري يميل لمصلحة هذه
الدولة أو تلك على حساب العراق، ومع الأردن مثلاً، مع كل زيارة، تثار هذه القضايا
ويضاف إليها قضايا محددة مثل تسليم معارضين سياسيين محددي الأسماء، طبعاً كل هذه
القضايا تكون مطروحة فقط في الإعلام ولا يتناولها الرؤساء العراقيون، وهذا ما أكده
مصدر مطلع، طبعاً هذا التيار المنتشر على كل الفضائيات يكرر تلك القضايا في مجمل
نقاشاته وكأنه أخذ التوجيهات من مصدر واحد ولغاية واحدة.
خلاصة هذه النقاشات؛ أن هذا التيار
المتمكن إعلامياً وسياسياً يضع أي رئيس وزراء عراقي أمام خيارات صعبة فحواها أنه
يمارس الخيانة حينما يتفق على مشاريع مع دول يُفترض أنها حسب اعتقادهم، أو حسب ما
يريدون تصويره، تسرق العراق وتتواطأ على نظامه السياسي في محاولة لإسقاطه، لذلك
نجد الرؤساء العراقيين يقُدمون خطوة ويتراجعون خطوات، رغم أن مصلحة العراق هي مع
أشقائه العرب، لكن قراره في ذلك دونه عقبات هائلة، طبعاً يتناسى أولئك المحرضون ضد
الخيار العربي للعراق بل ويشرعنون كل السرقات الإيرانية لأموال العراق ومياهه
ونفطه وشواطئه وأمنه، وهي التي أغرقته بالدم والاحتراب الأهلي، كل ذلك يمكن قبوله
في إطار هيمنة أيديولوجية ذات طابع ديني تتشكل من تيار يريد أن يستمر في الاستحواذ
على العراق ويعرقل كل سُبله نحو التطور والتقدم، وهذا لن يتم إلا بانفتاحه على
الجميع.
لذلك فإن الخيار الوحيد لنزع الأسلحة
الإعلامية لهؤلاء، هو بكشف الحقائق أمام الجمهور العراقي بكل شفافية دون المداراة
أو استخدام العبارات الدبلوماسية ذات الطبيعة المخاتلة، إذ لا يمكن لأي رئيس وزراء
عراقي أن يقيم علاقات متوازية مع دول الجوار إلا بالتحرر من قيود هؤلاء، فهل يا
ترى نحن مستعدون لمواجهتهم بالحقائق حتى يتوقفوا عن عبثهم بالعراق والمنطقة في نفس
الوقت؟ أم سنبقى في نفس المراوحة المصحوبة بتمنيات ومشاريع لا تتحقق؟ لأنه باختصار
لن تعود المنطقة العربية إلى الاستقرار إلا بعودة العراق إليها وعودتها للعراق.