المؤسسات الرقابية وفي مقدمتها ديوان
المحاسبة مؤسسات مهمة لحماية المال العام،، وترسيخ قواعد الثقة العامة. ويجب أن
تنال الرعاية والاهتمام الكاملين إذا طبقت الضوابط والقيم التي تتبناها تلك
المؤسسات وفي مقدمتها الشَّفافية، والسّريِّة، والموضوعية، والنزاهة وعدم انتظار
ردود الفعل الشعبية، ومقتضيات الرأي العام التي تحاكم عادة العناوين دون الدخول في
العمق والتفاصيل الدقيقة، والإجراءات المتخذة من الحكومة والإدارة في هذه المخالفة
أو تلك.
وفقاً للمعايير الدولية الحديثة لا
يحبّذ ذكر المخالفات التي رصدها ديوان المحاسبة وتم تسويتها وفق أحكام القانون، أو
جرى تحويلها للقضاء، أو لمؤسسات إنفاذ القانون دون إغفال متابعتها ومعرفة مدى
فعاليتها، وحرفية كوادر الديوان في تشخيص الخلل، أو معرفة الخلل في الرَّصد فيما
إذا كان رأي القضاء يخالف تقدير الديوان لطبيعة المخالفة أو جسامتها. كما أن تقرير
الديوان يجب أن يتضمن المخالفات العالقة فقط والتوصيات التي يراها الديوان لغايات
أخذها بعين الاعتبار من قبل القادة الإداريين، والموظفين العمومين أو من تشملهم
رقابة الديوان.
المخالفات التي يمكن أن يرصدها الديوان
لا تخرج عن ثلاث حالات: فإما أن تنهض إلى مستوى الجريمة الواضحة، وهذه يجري
تحويلها إلى القضاء مباشرة من خلال النيابة العامة. وإما أنها تحتاج إلى تحقيق
احترافي وهذه يجري إحالتها إلى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وفي حالات قليلة إلى
وحدة مكافحة غسل الأموال في البنك المركزي؛ والأخيرة يجري معالجتها من خلال قرارات
إدارية من الإدارة العامة وبمتابعة مباشرة من رئيس الوزراء.
أكثر من (70)% من الملاحظات الواردة في
التقرير جرى معالجتها من قبل الحكومة قبل نشر التقرير بإحدى الوسائل الثلاثة التي
ذكرت، والتقرير ذاته أورد ذلك مما يثير الاستغراب حول جدوى نشرها في التقرير
والفائدة الوطنية من ذكرها، إلا إذا كان المقصود استثارة الرأي العام، أو إبراز
شهرة السلطة؛وكلها أساليب وأدوات تؤذي الوطن في ظل موازنة قاسية، ونفقات تذهب في
معظمها الأعم إلى الرواتب والخدمات اليومية في الصحة، والتعليم، والخدمات البلدية،
والطرق والمعونة الوطنية.
التقاط الرأي العام لمضامين التقرير
التقاط سطحي ومتسرع وغير مهني، وربما اتخذ التقرير أداة للتعبير عن مشاعر السخط
تجاه كل المؤسسات العامة والسلطات للتنفيس عن ضغوط الفقر والبطالة، والأوضاع
الاقتصادية الصعبة التي لا تخفى على أحد، وتضع ديوان المحاسبة شأنه في ذلك شأن كل
المؤسسات الرقابية، ورجال الدولة أمام مسؤولياتهم الوطنية بانتهاج دواعي الحكمة
والمعالجة الهادئة والرصينة والحكيمة لحالات الاختلال والخلل بعيداً عن الإثارة
والاستعراض مقصوداً كان أم لا في وطن يتعرض إلى مؤامرات وتحديات وظروف داخلية
وخارجية لا تحتمل المزيد.
لم أجد في مضامين التقرير صلفاً
حكومياً في الاستجابة لمعالجة المخالفات الثابتة بالوسائل المذكورة، وإحالة
الباقية إلى لجان متخصصة يراقبها الديوان؛ بل يتضح أن درجة التعاون عالية تستحق أن
تتسم بالموضوعية حيالها. وإن كنا نطالب دوماً بتفعيل دور المؤسسات الرقابية في
أداء عملها؛ فإن تلك الدعوة لا تعني البتة أن يكون الدور تحكمياً منفلتاً من قيد
الموضوعية والسرية في المعالجة، وإنما منضبطاً حكيماً يتطلع في المحصلة إلى
النتائج، وأداء المهمة بأمانة ومسؤولية من أجل الوطن.
وحمى الله وطننا الحبيب وشعبنا الأصيل
وقيادتنا الحكيمة من كل سوء.