يكثر الحديث
هذه الأيام عن ظاهرة انتشار الكلاب الضالة بين الأحياء والمناطق السكنية التي تشكل
خطرا على صحة الأهالي وسلامتهم، مع تزايد حالات العقر وما تخلفه من أضرار صحية ونفسية
ومادية جسيمة، وذلك نظرا لارتفاع تكاليف علاجها.
وتختلف وجهات
النظر الرسمية والشعبية بين مؤيد للتخلص من هذه الحيوانات غير الأليفة بشتى الطرق
حماية للصحة العامة، ومعارض لها بحجة الحفاظ على التنوع الحيوي والدفاع عن حقوق
الحيوان. ويبقى الإطار القانوني هو المرجع الرئيسي الذي يجب اللجوء إليه للتعامل
مع هذه المشكلة، حيث تتباين التشريعات الوطنية ذات الصلة بالحيوانات غير الأليفة
ومنها الكلاب الضالة من حيث القِدَم والحداثة ابتداء، وانتهاء بالآليات القانونية
المقررة للحماية منها.
فأولى
القوانين الخاصة بالحيوانات في الأردن قانون الرفق بالحيوان، وهو قانون قديم صدر
في عام 1925 ولا يزال نافذا حتى يومنا هذا، حيث تحظر المادة (1) منه ضرب الحيوانات
ضربا مبرحا أو تعذيبها أو معاملتها بقسوة. في المقابل، تجيز المادة (6) من القانون
ذاته قتل كل حيوان يتحقق بتقرير طبي من أحد مفتشي البيطرة استعصاء مرضه وعدم صلاحه
للعمل، على ألا يُدفع عن الحيوان المقتول أي تعويض.
وقد تكرر هذا
الحكم القانوني في المادة (47) من قانون الزراعة رقم (13) لسنة 2015 التي تنص على
أن يصدر الوزير تعليمات خاصة تهدف إلى منع انتشار الأمراض المشتركة بما فيها مرض داء
الكلَب وإجراءات حجر ومراقبة الحيوان الشرس والعقور، وتحديد الحالات التي يجوز
فيها ضبط هذه الحيوانات وقتلها دون أي تعويض.
وقد أصدر وزير
الزراعة بالاستناد إلى هذا النص القانوني تعليمات مكافحة داء الكلَب رقم (8) لسنة
2018، التي تنص في المادة (13) منها على أنه للطبيب البيطري المختص أن يأمر بإتلاف
أي كلب أو قط يشتبه بإصابته بداء الكلَب، وأي كلب أو قط خالط حيوانا ثبت إصابته
بداء الكلَب، وأي كلب أو قط شارد أو شرس الطباع ويتم ذلك دون تفويض.
ويتكرر حكم
التخلص من الكلاب الضالة في المادة (10) من نظام ترخيص الكلاب والاشراف عليها ضمن
حدود أمانة عمان الكبرى رقم (154) لسنة 2016، التي تنص على أنه إذا وُجِد كلب ضمن
حدود الأمانة وكان غير مرخص أو ليس في عنقه طوق عليه لوحة التعريف المعدنية، فإنه
يعتبر كلبا ضالا يقبض عليه الموظف المختص ويودعه بيت الكلاب، وإذا تعذر القبض على
الكلب يجوز للموظف المختص أن يتلفه عند رؤيته. كما تنص المادة ذاتها على أنه كل
كلب أودع بيوت الكلاب التابعة للأمانة يُحجز لمدة (48) ساعة ثم يتلف إذا لم يطالب
به صاحبه خلال هذه المدة.
في المقابل،
هناك العديد من التشريعات الوطنية التي تحظر قتل الحيوانات، أهمها نظام الرفق
بالحيوان رقم (11) لسنة 2010 الذي صدر استنادا لقانون الرفق بالحيوان وقانون
الزراعة، والذي ينص على تشكيل لجنة استشارية خاصة للرفق بالحيوان تقوم باقتراح
الخطط والبرامج المتعلقة بالرفق بالحيوان ومنع القسوة عليه، بحيث يعتبر من صور
القسوة على الحيوان قتله بصورة قصدية ما لم يكن ذلك ضروريا.
كما تحظر
المادة (8) من تعليمات التعامل مع الحيوان رقم (18) لسنة 2022 قتل أو جرح أو ضرب
أي حيوان بقصد الإيذاء، معتبرة هذا التصرف مخالفة صريحة لمعايير الرفق بالحيوان،
والتي تحيل بهذا الخصوص إلى المعايير الواردة ضمن دستور المنظمة العالمية للصحة
الحيوانية WOAH.
ومن التشريعات
الوطنية الأخرى التي تدعو إلى التعامل مع الكلاب الضالة بغير أسلوب القتل قانوني
الإدارة المحلية وأمانة عمان، واللذين ينصان على أن يناط بأمانة عمان والبلديات كل
ضمن حدود منطقتها الرقابة على الكلاب والتعامل مع الضالة منها والوقاية من أخطارها
وإعداد أماكن لإيوائها. فلا يوجد ضمن هذين التشريعين ما يجيز قتل الكلاب الضالة،
وإنما يجب أن يتم إعداد أماكن خاصة للاحتفاظ بها.
أما على صعيد
القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن الأردن قد صادق على الاتفاقية الدولية بشأن
التنوع البيولوجي لعام 1992 وبروتوكول قرطاجنة للسلامة الأحيائية الملحق بها لعام
2003، التي وإن اهتمت بالتنوع الحيوي والجيني والعلمي، إلا أنها أكدت على سيادة
الدول الأعضاء على مواردها البيولوجية، وأعطت لكل دولة عضو الحق باتخاذ التدابير
الخاصة بها والمتعلقة بوضع الاستراتيجيات والخطط الوطنية لصيانة التنوع البيولوجي
واستخدامه على نحو قابل للاستمرار، وذلك تبعا لأوضاعها وقدراتها الخاصة بها.
أستاذ القانون
الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية [email protected]
عن الرأي