يخطئ من يظن أن الظروف قد أصبحت مواتية
لوقف العمل بقانون الدفاع بقرار من مجلس الوزراء، وإذا كانت الحكومة نظرياً تملك
هذا الحق؛ إلا أن المسؤولية الدستورية لمجلس الوزراء الواردة في المادة 45/1 من
الدستور تحتم عليه الموازنة بين معالجة الآثار المترتبة على وقف العمل بقانون
الدفاع بعد سنوات عجاف خلفتها جائحة كورونا وجفاف قاسٍ جف فيه الزرع والضرع وعانى
فيه الوطن ومؤسساته وقطاعاته ما عانى، وقاد فيها جلالة الملك مرحلة قاسية بثقة
واقتدار جنّب الوطن الكثير من آثار الجائحة وذيولها السياسية والاقتصادية
والاجتماعية.
مطالبات التجار ورجال الأعمال ونقابة
المحامين بوقف العمل بأمر الدفاع الذي ينظم احكام حبس المدين تنطلق من مصالح
اقتصادية ومعيشية مشروعة تدركها الحكومة ومجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب، ولكن
الواقع الصعب يشي باستحالة تنفيذ هذه المطالبات وعلى الأقل في المدى المنظور؛
والسبب يكمن في أن عدد المطلوبين لأوامر الحبس والطلبات المعلقة التي سينفلت
عقالها بمجرد وقف العمل بقانون الدفاع تضاهي أضعاف مضاعفة قدرة مراكز الاصلاح
والتأهيل على استيعاب تلك الأعداد وما يرافق ذلك من آثار خطيرة على منظومة الأمن
الاجتماعي.
في ظني أن الحكومة ستكون مضطرة
للاستمرار في العمل بقانون الدفاع، وبالتلي تمديد العمل بأمر الدفاع رقم 28 لسنة
2021 لأسباب تتجاوز قدرة الحكومة على المناورة، وحرصها الواقعي على الاستجابة
لمطالب القطاعات الاقتصادية والمهنية، وقد سبق لمجلس الأعيان أن أوصى عند مناقشة
قانون التنفيذ بضرورة تمديد العمل بأمر الدفاع رقم 28 وعلى الأقل حينها إلى نهاية
العام الحالي لذات الأسباب التي أشرت إليها آنفاً والتي تشكل ضرورة وطنية لا يمكن
للقوى والقطاعات أن تتجاهلها أو تغمض العين عنها.
جملة من الأسباب والظروف تستدعي عدم
التسرع في وقف العمل بقانون الدفاع وفي مقدمتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية
والأمنية، والسلطة القضائية وعلى الأخص قضاة التنفيذ محكومين بأعمال النصوص
القانونية ولا يملكون ترف تأجيل قرارات الحبس، الأمر الذي سيربك كل أجهزة الدولة
ويضعها في مأزق كبير وهو أمر لا يحتاج فحص او تمحيص، ويدركه الجميع ويوجب من
الجميع تقدير أولويات الدولة في ضوء تغير أولويات المجتمع الاقتصادية، ومثال ذلك
انتقال ربع مليون طالب من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية مما أربك القدرات
الحكومية على استيعاب تلك الاعداد، ورتب نفقات كبيرة تحملتها النفقات العامة
بصعوبة.
لسنا مع وقف العمل بقانون الدفاع في
هذه المرحلة، ونطالب الحكومة بتمديد العمل بأمر الدفاع رقم 28 حتى نهاية العام
كمرحلة يعاد تقييم الموقف الوطني ومقتضيات المصلحة العامة بعدها، وأظن أن الحكومية
لديها تقدير دقيق للموقف، ودراسات ستستند إليها في قرارها المرتقب والذي أظن
جازماً أن التمديد سيكون قراراً واقعاً لا محالة لسبب بسيط أن طبيعة الأعمال
القضائية لا تقبل التجزئة أو الانتقاء أو التناوب؛ بل أننا بحاجة في المرحلة
القادمة لمكنة قانونية ضرورية تعالج بشكل موضوعي وقف العمل بأمر الدفاع المذكور.