بقلم: د. ديمة طارق طهبوب
"ويرى الذين اوتوا العلم الذي
أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي الى صراط العزيز الحميد".
كلمة حق وحقوق هي كلمة تطرب لها القلوب
وتسعد بها النفوس ويطمئن اليها البشر، ولأن الظلم جزء من فجور الفطرة البشرية فلا
تستقيم الا بالهداية وترويض النفس بالدين والأخلاق "ونفس وما سواها فألهمها
فجورها وتقواها فد أفلح من زكاها".
ولذا فليس مثل الهدي الإلهي في استقامة
أحوال البشر ونفعهم ،صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وانثاهم، صحيحهم وسقيمهم، ضعيفهم
وقويهم
وفكرة الحقوق في ثقافتنا العربية
والاسلامية قائمة مع الواجبات وقائمة على التكامل ، وبعد إعطاء العدل هناك فضل
وإحسان و غفران وتجاوز حتى لا تكون الحياة قائمة على المحاصصة الحقوقية فقط وما لك
وما عليك بل تضع قلبك ومشاعرك وأنت تعطي الآخرين حقوقهم ويعلو وجهك البشر وفمك
الابتسامة ويلف قلبك الرضى
وكلما تذكرت أن نبينا يعقوب عليه
السلام فقد بصره وهو نبي حزنا على ما ظنه فقدان ابنه يوسف وكيف حزن قلب سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم ودمعت عيناه لوفاة ابنه ابراهيم، وأطال السجود حتى لا يسقط
حفديه الحسن والحسين لما اعتليا ظهره، وكيف كان يمزح مع الأطفال ويقربهم ويخصهم
ببواكير الثمار وكيف خصص عمر بن الخطاب للرضع من مال الدولة حتى لا يُجبر طفل على
الفطام قبل موعده، وكيف وكيف وكيف، عرفت أن الإحسان والرعاية للأطفال أصل
ثاااااابت في الدين بل ولقد قورن الاحسان اليهم بفضل الجهاد فقال ابن المبارك وهو
مع إخوانه في الغزو أتعلمون عملا أفضل مما نحن فيه قالوا ما نعلم ذلك قال أنا أعلم
قالوا فما هو قال رجل متعفف ذو عائلة قام من الليل فنظر إلى صبيانه نياما متكشفين
فسترهم وغطاهم بثوبه فعمله أفضل مما نحن فيه،
والقصص كلها دلالة الرحمة والتعهد
العاطفي والحنان والحرص،
أما سيدنا عيسى وعلاقته بوالدته التي
عبر عنها بنفسه فقال "وبرا بوالدتي" فتلك قصة وسيرة تحتل في قلوبنا
مكانا أثيرا في سورة مريم التي قيل فيها "سورة مريم مما يتفكه به أهل الجنة
في الجنة ما قرأها محزون الا وسُرِّي عنه".
وما هذا الا غيض يسير من فيض عميم في دين
وثقافة يحرص أن يشب الأطفال على الحب والحنان والبر والاخلاق السمحة.
أتذكر ذلك دائما كلما قرأت أننا نوقع على اتفاقيات عالميه تهدف الى عولمة
كل شيء حتى القيم الدينية والثقافية والاجتماعية وإلباس الناس كلهم ثوبا واحدا دون
مراعاة حاجات او خصوصيات، فنترك حق ما عندنا لما عند الآخرين ونفقد بصمتنا وهويتنا
الحضارية وصدق علي بن ابي طالب اذ قال :
دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ
وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ
أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير
وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ
فَأَنتَ الكِتابُ المُبينُ الَّذي
بِأَحرُفِهِ يَظهَرُ المُضَمَرُ
وَما حاجَةٌ لَكَ مِن خارِجٍ
وفكرك فيك وما تصدر
أتذكر أن لدينا العلاج الناجع الذي لو
طبقناه لن نكون بحاجة الى الاستيراد من الخارج الذي حاول اختراع قوانين يظنها تحقق
مصلحة الطفل حتى نزع دور التربية من الأسرة وجعل العلاقة بين الطفل والدولة علاقة
مباشرة بحيث لو قال والد لطفله لا على أي شيء ولو كان خطئا فيمكن للطفل أن يلجأ
للحكومة ليفعل ما يشاء، فلم يعد للأسرة قيمة ولا للتربية معنى لأن الحضارة الغربية
قائمة على الفردية والتمركز حول الذات لا على الجمعية التي تميز المكون الأسري مع
عدم حرمان لأي فرد في الأسرة من حقوقه.
وقد يقول قائل ما دام لدينا كل هذه
الأبعاد الأسرية والحقوقيه فلماذا يتم اساءة معاملة الأطفال وقتلهم وحرمانهم؟
والجواب البسيط أننا لا نطبق ديننا حق التطبيق ولا نفعل القوانين حق التفعيل، و من
قبلها وبعدها لا نوفر الحماية الوقائية في التربية والتعليم؛ و القضاء على الفقر
الذي هو أساس كل شر.
شخصيا لا أمانع في وجود قانون لأي حاجة
مجتمعية ولتنظيم العلاقات بين البشر وحفظ حقوقهم ، ولكن أريد أن يكون القانون
أردنيا عربيا يراعي سياق وحاجات المجتمع والطفل والأسرة على حد سواء لا ترجمة ولا
استحقاقا أمميا وضعته دول لم تستطع حماية أطفالها و لا أسرها وآخر خبر قرأته أن
أما باعت ابنتها واستخدمت المال لعملية تجميل لأنفها وغيرها من قصص القتل والاساءه
و الاستغلال الجنسي التي لا نقبلها وندينها لأي طفل في كل مكان على وجه البسيطة.
قانون حقوق الطفل استحقاق لمصادقة
الأردن على اتفاقيات عالمية وفيه أشياء ايجابية و فيه سلبيات خطيرة خطيرة لا بد من
التصدي لها وتوفير بدائل ومنظومة متكاملة تناسبنا وتحافظ على أطفالنا الذين لو
أردنا وصف مكانتهم في حياتنا لما وجدنا أبلغ مما قاله العرب قديما"إنما
أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني من
الغمض"
و من يعاملونهم بغيرهذا شرذمة واجبة
المحاسبة و أما بقية المجتمع فتوجه بالتعليم والوعظ الحسن وتوفير سبل العيش الكريم
حتى تبقى تقوم بدورها الأهم في التربية و الرعاية وتخريج أفراد صالحين ومصلحين الى
الحياة
الأسرة بكل أفرادها هي آخر ما نملك من
حصون فلنحفظها أردنية عربية مسلمة ونربي أولادنا على الفضل و الخير والبر كما
ربانا أهلنا.
* نائب سابق