التوتر والتصعيد الأمني الحاصل في
الكيان الصهيوني هو في الأساس ناجم عن مجمل الوضع فيه. فعلى مدار العقدين
الماضيين، انتخب الإسرائيليون قيادات سياسية يمينية عمقت الصدع في المجتمع
الإسرائيلي، وساهمت في التدهور الاجتماعي والأمني الخطير وزرعت أجواء مشجعة على عمليات
فدائية. لذا، لعل أهم ما في العمليات الفدائية الأخيرة أن ثلاثة من منفذيها من
أراضي فلسطين 48. فحين يلقى 14 إسرائيليا حتفهم جراء 4 عمليات وقعت في فلسطين 48
في غضون 18 يومًا، معناه التأكيد على استمرار روح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني
أينما كان في فلسطين التاريخية، وقدرة شبابه على التحكم في اختيار المكان ومسرح
العمليات. فالعمليات الفردية لا تسمح للمحتل بتوسيع ردات الفعل الانتقامية وتجبره
على اللجوء إلى استخدام الأسلحة الخفيفة ضد فرد واحد فقط، الأمر الذي يسقط
المنظومة الأمنية برمتها التي سعى الاحتلال لبنائها منذ العام 1967.
لقد قضت مثل هذه العمليات الفدائية
نهائيا وبلا رجعة على وهم «الأمن» الإسرائيلي. وبحسب المراسل العسكري لصحيفة
«يديعوت أحرونوت» (يوسي يهوشواع): «العمليات تتميز بفقدان منفذيها الخوف، الجرأة
بالعمل داخل المدن وباستخدام سلاح ناري وهي تُذكر بالانتفاضة الثانية. وينبغي
الاعتراف أن لا حلا سحريا لمواجهتها. لا يوجد عنوان بالإمكان الرد عليه بهجوم
شديد، ويصعب جدا جباية ثمن. ولا توجد رافعات ضغط على العدو، لأنه من الصعب
تعريفه».
حالة من الرعب والذعر باتت مسيطرة على
المجتمع الإسرائيلي، الذي يشعر بفقدان الأمن الشخصي، في ظل حكومة ربما لن تجد
أمامها سوى الاتجاه نحو تصعيد دموي تحت شعار «محاربة الإرهاب». في هذا الإطار،
يمكن بسهولة قراءة أسباب ارتفاع عدد طلبات التصاريح لحمل السلاح التي قدمت من قبل
«المواطنين الإسرائيليين» عقب العمليات الفدائية، بحسب ما أفادت صحيفة «إسرائيل
اليوم»، التي أكدت كما جاء على لسان مسؤول كبير في وزارة الداخلية أن «هذه الزيادة
الاستثنائية في أعداد الطلبات غير مسبوقة وتاريخية». وفي ذات السياق، قامت شرطة
الاحتلال بتحديث دعوة رئيس الحكومة (نفتالي بينيت) للمدنيين بحمل السلاح،
باعتبارها حسب زعم الشرطة «توجيها يمكن أن ينقذ الأرواح في ظل الوضع المتوتر الذي
نحن فيه الآن». وفي سياقات التحريض الممنهج جاء تهديد الجنرال احتياط (عوزي ديان)
لفلسطينيي 48، وليس فقط لمنفذي العمليات، «بنكبة جديدة"؛ حين قال: «في حالة
وصولنا إلى حرب أهلية، فهذه ستنتهي بحدوث نكبة أخرى.. علينا أن نتصرف كما وأننا في
حالة طوارئ، ما يشبه حرب الاستقلال، حرب التحرير، ويجب أن ننهيها في الداخل
أيضًا».
في هذا كله، كتب الكاتب والمحامي
اللامع (جواد بولس) يقول: «اختمرت المجتمعات اليهودية، وانتقلت من مرحلة «التخصيب
العقائدي الذهني» «والشحن الغوغائي العاطفي» الفاشيَّين، إلى مرحلة الانطلاق
الفعلي نحو تحقيق الأهداف.. الآن تجري عملية عسكرة المجتمع وإدماجه، بمنهجية
فوقية، في البنى الأمنية والعسكرية الرسمية، وهذا من أهم الدلائل على تحوّل
إسرائيل، من دولة لديها جيش، كان الأقرب إلى التقديس، ومؤسسات وقوانين، كانت
عنصرية، نحو دولة يتحكم فيها نظام فاشي متكامل ومجتمع متماهٍ مع ذلك النظام،
يتغذّى منه ويغذّيه»... والحرب مستمرة.