التقت العمليات الفدائية الفلسطينية
الأربع الأخيرة في أن منفذيها اخترقوا التحصينات الأمنية الإسرائيلية، ونفذوا
عملياتهم في فلسطين المحتلة عام 1948.
ما يميز هذه العمليات يتعلق بقدرة المنفذين
أصحاب التكتيك الفردي في تنفيذ العمليات على الحصول على السلاح، وهو أمر يشل قدرة
الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على التنبؤ بالعمليات وإحباطها، ويحرم هذه الأجهزة من
الوصول حتى إلى طرف خيط يمكنها من تتبع خلايا المقاومة. هذه العمليات كشفت عن عدم
وجود «العمق الاستراتيجي الآمن» الذي طالما راهنت عليه دولة الاحتلال، ما يؤكد
الإخفاق الأمني الواضح في كبح جماح هذه العمليات، دون تجاهل مسألة هامة وهي
التداخل بين أصحاب الأرض والمستعمرين/ «المستوطنين» المحتلين في فلسطين 48 الأمر
الذي يجعل من الصعب منع هكذا عمليات.
لقد شدد الرئيس الأسبق لجهاز الأمن
العام الإسرائيلي (الشاباك) (يوفال ديسكين) في حديثه عن العمليات المسلحة الأخيرة
بالقول: «الجمهور ملزم بفهم كيف نشأت هذه الأجواء المشجعة على تنفيذ عمليات. لا
يوجد حافز أقوى من أجل تنفيذ عمليات فردية من انتشار اليأس، الشعور بأنه ’لا يوجد
مستقبل’، وخصوصا أنه ’ليس ثمة ما يمكن خسارته بعد الآن’». وأضاف (ديسكين) أن «يأسا
كهذا يميز الواقع في الضفة الغربية، وفي المجتمع العربي في إسرائيل، حيث يضاف هناك
الشعور بأنه ’لا يريدونني في الدولة’، إلى جانب مشاعر التمييز والظلم، وغالبيتها
مبررة ومثبتة». من جهته، كتب اليساري (جدعون ليفي) يقول عن (رعد حازم) أحد منفذي
هذه العمليات: «لقد وُلد في واقع يستحيل الهروب منه... فهو مسجون في مخيمه للاجئين
وممنوع من الدخول. ربما لم يصل أبداً إلى شاطئ البحر، بدلاً من ذلك فقد رأى الجنود
يغزون مخيمه كل ليلة تقريباً، يسيئون إليه ويهينونه». ويرى المحلل العسكري (عاموس
هرئيل) أن «القاسم المشترك بين العمليات في الأسابيع الأخيرة هو غياب أي خيط يربط
بينها. وليس فقط أن منفذيها، وفقا لتحليلات أجهزة المخابرات، لم يعملوا ضمن إطار
تنظيمي، وإنما جاؤوا من مناطق مختلفة». وقال: «نحن في ذروة موجة عمليات، ولا سبب
للاعتقاد أن هذا سيُلجم قريبا. وسترافق هذه العمليات (لقوات الاحتلال) مقاومة
فلسطينية متصاعدة ربما يشارك فيها أيضا ناشطون من حركة فتح».
هذا هو أكثر ما يثير مخاوف الاحتلال من
مثل هذه العمليات التي لا يعرف مصدرها، ومتى تحدث، وفي نفس الوقت لا يعرف من هي
الجهة التي سيوجه إليها نيرانه وانتقامه وبخاصة بعد أن نقلت المعركة إلى داخل
«البيت الإسرائيلي». وبيت القصيد أن «إسرائيل» مصابة بحالة إنكار لا ترى معها
احتلالها لأراضي الغير، مقرونا بإنكار حقيقتي ظلم الأهل في فلسطين 48، وأن طول أمد
الاحتلال أخرج جيلا فلسطينيا يمتلك الجرأة والإرادة لمواجهته، فنجح في نقل بعض
المعارك من داخل قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة إلى داخل «الكيان
الإسرائيلي» ما مثل مفاجئة غير سارة لكيان اعتاد نقل معاركه إلى أرض «عدوه» معتمدا
على حسم المعركة، حسب الاستراتيجية الإسرائيلية، بشكل سريع!