بتنوع أنظمة الدول يتنوع المفهوم
والوصف العام للمعارضة، والذي يتراوح ما بين الحاجة والظاهرة الصحية، إلى المناكفة
والمشاغبة، وقد يصل وصفها بالشر والضلال، ففي الدول الديمقراطية او التي بالطريق
إليها غالبا ما يكون لديهم ثنائية مسيطرة باتجاهين مختلفين يتنافسا تحت مظلة
حزبين، ولا يسمحان أبدا لأي طرف ثالث التنافس معهما، فهذه الثنائية تضع الناخب فقط
امام خيارين بدون أي من التشتت او الحيرة، فيتم تبادل السلطة بين هذين الاتجاهين
وبالتالي تبادل موقع المعارضة تباعا، أما عن باقي الاتجاهات او الاحزاب فلا مكان
لهم إلا كملحق مع احدهم ولكن غالبا ما يحظون ببالغ الاهمية فهم كبيضة القبان التي
ترجح كفة احد كفتي الميزان.
بالطبع ان كانت المعارضة ضمن الضوابط
الوطنية داخل البلد الواحد وبعيدة عن التدخل الخارجي وتقبلت نتائج صناديق الاقتراع
بعدم وصولها للسلطة وتفرغت للرقابة والمتابعة والنقد البناء وإلاعداد للجولة
القادمة فإنها تقوم بواجبها على خير وجه، باعتبارها إما الذراع الرديف للبرلمانات
او جزءا حيويا منهم، ولا يعني عدم وصولها لمبتغاها من تشكيل اي حكومة ان دورها
انتهى بل على العكس تماما فقد بدأ فور اعلان نتائج صناديق الاقتراع.
إن للمعارضة دورا تشغله وهي تسعى بكل جهدها
لمغادرته مستقبلا، وهذا الدور ليس غاية لها ولا تتمنى ان يكون وسما ملازما لها،
فإن كتب لها النجاح مستقبلا وتمكنت من تشيكل او المشاركة بحكومة منتخبة فإنها
تغادر دورها السابق لتحل مكانها مباشرة الحكومة المغادرة، أما إن بقيت مستمرة
بدورها كمعارضة فهذا دليل واضح على ضعفها وعدم وجود قاعدة شعبية لها وعليها أن
تعيد النظر بكامل خطواتها وربما تعيد النظر بقياداتها، ولا بد ان تبحث عن مكامن
ضعفها لتعرف تماما اسباب عدم قبولها من الناخب.
إن التزام المعارضة بالثوابت والضوابط
العامة داخل بلدها سيتيح لها كامل الفرص لتوضيح موقفها من القضايا المطروحة حديث
الساعة، وخاصة التي تتعلق بالشأن المحلي وذلك من خلال العديد من الوسائل ألإعلامية
المتاحة، مما سيمكنها من تعزيز حضورها والتواصل باستمرار مع قواعدها الانتخابية
وبالتالي زيادة فرص نجاحها في انتخابات الدورة القادمة.
بالمقابل الحكومة المشكلة بعد نجاح
شخوصها وما يمثلوه من خلال ما آلت إليه ارادة الناخب لا بد لها أن تعلم ان تحييدها
للمعارضة سيعطي انطباعا انها الان وصلت إلى غايتها وانها في طريقها للاستئثار
بالسلطة، وهي الان ليست بحاجة لأي من الدعم او التأييد ممن انتخبها، مما سيؤدي
للفتور وفقدان الحماس لديهم وبالتالي خسارة القسم الأكبر من قاعدتها الشعبية،
لتأتي بعد ذلك المشورة من أفواه العقلاء لديها ان لدور المعارضة حاجة لا بد منها،
ويجب أن تبقى تشغل الجزء المخصص لها من الساحة السياسية، فتصريحاتها يجب أن تبقى
مسموعة ليتم الرد عليها لشرح وتعزيز وتبرير اي موقف او قرار اولا،،، ولعودة الشد
والجذب الذي سيبقي الحماس لدى القواعد الشعبية متقدا ثانيا،،، ولدحض ووأد اي من
الشائعات ثالثا،،، ولإغلاق الباب على أي أجندة اجنبية لا تضمر خيرا للداخل.
ان من يحسن صياغة السؤال سيُسهل عليك
حُسن صياغة الجواب، وعندما تعطي الفرصة لمنافسك للظهور بكامل حريته ستفهمه اكثر
وبذلك ستنجح بتوقع القادم من خطواته بدقة اكبر، فوجود المنافس أمر صحي وله الكثير
من الفوائد، فحتى في عالم الرياضة النادي المستأثر بالفوز دائما بدون اي منافس
يفقد بريقه وحماس مشجيعه، فالجمهور لديه كامل القناعة ان حضوره وتشجيعه هو من صنع
نجاحك، فإن استأثرت به سيعتبر انك لست بحاجة إليه بعد الان، لذلك لا بد من العمل
بكل الوسائل والطرق لعودة الحضور والمكانة المرموقة لمنافسك ليعود جمهورك لتشجيعك
وبكامل حماسه، وهذا قريب جدا من المهارات الخفية للممارسات الديمقراطية التي يتقنها جهابذة عالم السياسة،
فهم يدركون تماما ان للمعارضة دور له حاجة ولا بد من وجوده وحضوره وان بدا للعامة
نوعا من المشاغبة او المناكفة.