د. طلال طلب الشرفات
المخاوف التي يثيرها بين الحين والآخر
بعض الأقطاب والناشئين من النخب السياسية حول عناوين كبيرة في الشأن العام،
والدفاع المستميت من الجهة المقابلة من قبل نخب وأقطاب اخرى تستند إلى حقائق
وتفسيرات ونوايا يمكن فهمها في المجمل اذا اخذت بتجرد وبعيداً عن الاعتبارات
الخاصة، ولكنها تخلق حالة من الصراع البنيوي وأشغال الرأي العام بقضايا هامشية او
انها مرفوضة اصلاً ولا يمكن تسويقها او الدفاع عنها، والنخب الحية المخلصة تقدم
النصيحة المخلصة بعيداً عن المشاكسة والمتاجرة بعيوب الوطن او تسويق الوهم.
ولكن الخطورة في هذا الشأن انها تخلق
حالة من الصراع البنيوي الذي ينعكس فوراً على مزاج الرأي العام ويخلق حالة من
الإرباك في إدارة الشأن العام، ومرد ذلك في الغالب الأعم عدم التيقن من مضامين
الرؤى الملكية أو تلمسها بسطحية أحياناًاو تحليلها من فئات أخرى بمواربة وبانفعال؛
بل ربما وغالباً ما يتم توظيفها لوصم الأداء او المخرج بالحداثة والتطور رغم أن
أفكار بعضهم موغلة في المحافظة والتشدد، لكن الانتهازية السياسية تجد لها مرتعاً
خصباً في صراع النخب.
لا يجوز لأحد احتكار الحقيقة ولا ميزة
لأردني على آخر إلا بقدر الإنتماء للوطن وخدمته بصدق والولاء للعرش، والفكرة التي
تطرح في الفضاء الوطني لا يمكن سماعها من الأردنيين –كل الأردنيين– إلا إذا تم
طرحها بلغة هادئة تغلفها المروءة ويلفّها التواضع، وجلالة الملك –حفظه الله ورعاه–
هو لكل الأردنيين في الموالاة والمعارضة على السواء، ولمن هم في مواقع القرار وخارجه
في كل الأحوال والأوقات، ومن يظن أن دوافع الصراع وأدواته وأساليبه هي بمأمن عن
علم مؤسسة العرش هو واهم وغارق في براثن الطيش المؤقت والزهو المتعثر الذي لا يؤذي
إلا من امتهن الوقيعة والصلف.
الوطن لكل الأردنيين المخلصين لترابه
وقيادته وهويته الوطنية، والتحدي الأكبر يكمن في الإيمان والعمل على تحقيق الإصلاح
الشامل الذي اختطه جلالة الملك وأكد عليه في كتب التكليف السامية، وخطب العرش في
مجلس الأمة وكل هذا بدا واضحاً في تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية
والتي ستشكل مخرجاتها نقلة نوعية نحو أفق العمل السياسي الحزبي البرامجي المنظم إن
قيّض لها أن تخرج كما هي في مجال الأحزاب والانتخاب، وهذا يتطلب تكاتف الأردنيين
للنهوض بهذه الوصفة الأصلاحية.
للأسف؛ صراع النخب في مجمله يستند إلى
أسباب شخصية أو براجماتية، أو ردود فعل على مغادرة السلطة، او محاولة لاستعجالها،
وهي في ذلك تختلف عن وتخالف التجارب الحية في العمل الوطني التي تغادر الاعتبارات
الشخصية وتنهض الى مستوى الآمال الوطنية، والأصل في النخب السياسية أن تكون قدوة
لغيرها في عقلنة الخطاب، ورشد الممارسة لا أن تكون مساحة للوقيعة والانتفام،
والفتنة واثارة الرأي العام بسبب أو بدونه، والأوطان تلعن العابثين بسلمها الأهلي
والموغلين بإيذائها.
الوطن بحاجة ملحّة وسريعة لمراجعة
شاملة لأداء النخب السياسية داخل السلطة وخارجها، ولجم بؤر الصراع المؤذية
وتحييدها، واستبعاد الغارقين في مستنقعات الوقيعة والصلف والتمرد والنكران، وإعادة
سبل العمل الوطني الشريف المنزّه عن الهوى والاستعلاء الى مسارها الصحيح، وحوكمة
الأخلاق السياسية العامة ضمن بوصلة الإنتماء الوطني والولاء الصادق المجرّد،
وإحلال الطاقات الوطنية النظيفة في مجالات البناء الوطني، وإعادة الثقة للموقع
العام، ورصد مضامين الإخفاق العام بموضوعية وجرأة، ووضع معايير للكفاءة السياسية
في كل مناحي الحياة العامة.
صراع النخب السياسية لم يعد يُحتمل على
هذه الشاكلة، والمعالجة تقتضي اجتثاث كل من يحاول إضعاف الوطن أو الإتكاء على
أزماته وجراحه؛ لأن الإخلاص والإنتماء هو مناط الكرامة، والقيادة الهاشمية هي معين
الحزم والسبيل الأوحد للخلاص من كل الممارسات المؤذية لوطن هو بين الرمش منه
والعين، وطن دخل مئويته الثانية يستحق منا أن نكون بحجم التحدي، وثقة عميد آل
البيت الأطهار.
وحفظ الله وطننا الحبيب وشعبنا الأصيل
وقيادتنا الحكيمة من كل سوء.