فعلا، لا يجوز أن يبقى الاعتراف فقط من
الجانب الفلسطيني بالاتفاقيات مع “إسرائيل” فيما هي تتجاهلها. وفعلا، يجب أن نعد
أنفسنا لاتخاذ موقف جريء، سواء مع انقضاء المهلة لمدة عام واحد لانسحاب الاحتلال
من الأراضي الفلسطينية على حدود 1967 أو التوجه إلى محكمة العدل الدولية (وهي
المهلة التي منحها الرئيس الفلسطيني محمود عباس “لإسرائيل” في كلمته أمام الجمعية
العامة للأمم المتحدة) أو نتصرف حتى قبل ذلك بكثير، وذلك في ضوء تسارع عملية النهب
وتغيير الأمر الواقع المتسارع على الأرض، وسباق دولة الاحتلال مع الزمن من أجل
التهويد وتوسيع الاستعمار/ “الاستيطان”.
المجتمع الدولي والأمم المتحدة فشلوا
في محاسبة “إسرائيل”، وهم من أسهم في تعزيز شهية الحكومات الإسرائيلية على
اختلافها في نهب الأرض الفلسطينية، رغم أن السلطة الوطنية الفلسطينية لم ترفض، منذ
اتفاقيات أوسلو، حل الدولتين أو أي اتفاق جدي للسلام مع “إسرائيل”، ولا هي ضيعت
فرصة واحدة لتحقيق السلام. بالمقابل، لم يفهم المجتمع الدولي الرسالة الفلسطينية،
ولم يفهم قضية اللاجئين ومأساة الشعب الفلسطيني التي مضى عليها 73 عامًا. لذا، من
الطبيعي أن تكون مطالبة الأمم المتحدة بضرورة فرض الحماية الدولية على أرض دولة
فلسطين ولشعبها ومؤسساتها ومقدساتها، أولى الخطوات، وذلك استنادا إلى قرار الجمعية
العامة للأمم المتحدة المدرج على بند “متحدون من أجل السلام” عام 2018، وكذلك
ضرورة الاعتراف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين في مجلس الأمن استنادا للقرار 181
الذي أقر بإقامة دولتين متجاورتين، والمطالبة بعقد مؤتمر دولي للسلام برعاية دولية
وتحت إشراف دولي لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وخاصة قرار رقم 2334، المعتمد في 23
كانون الأول/ ديسمبر 2016، حيث حث مجلس الأمن على وضع نهاية “للمستوطنات”
الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ونص على مطالبة “إسرائيل” بوقف “الاستيطان” في
الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء “إسرائيل” “للمستوطنات”
في الأرض المحتلة منذ 1967.
وحتى لا يكون أي خيار فلسطيني ملهاة
لكسب الوقت في ظل إفلاس سياسي حاد فرضته “إسرائيل” (والعالم الغربي أساسا) على
السلطة الفلسطينية، وبما أن “خيار التقسيم” وحل الدولتين غير قابلين للتطبيق
الفعلي في ظل بقاء وتوسع الاستعمار/ “الاستيطان”، فإن على المجتمع الدولي إنهاء
الازدواجية في التعامل مع الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، هذه الازدواجية التي
تتعايش معها دولة الاحتلال. ففيما يغض العالم الطرف عن التهويد والاستعمار على
الأرض، يصدر قرارات تبقى حبيسة أدراج المنظمة الدولية دون تنفيذ. والشعب الفلسطيني
وقواه الحية لن يصبروا ولن يتحملوا أكثر مع تصاعد جرائم منظمات الإرهاب اليهودي
“الاستيطاني” وميليشياتها المسلحة المنتشرة في القدس وعموم الضفة الغربية المحتلة،
مع التأكيد على توافق كل الحكومات الإسرائيلية على تهويد الأرض الفلسطينية، وهو ما
يجعل الأوضاع أشبه ببرميل من البارود يوشك على الانفجار.
“إسرائيل” التي لم تثبت أنها جاهزة
للتسوية السياسية، لربما تعيد الجميع إلى مربع الكفاح المسلح، الأسلوب الأكثر
فعالية لتعزيز الروح الوطنية الفلسطينية. كذلك، فإن الصدع القائم بين الضفة
الغربية وقطاع غزة يمثل عائقا هائلا يعترض تحقيق التطلعات الفلسطينية، ولا يجب أن
يبقى الشعب الفلسطيني يعاني التشتت السياسي والجغرافي على حد سواء. ولأن هذا
التشتت هو المدخل إلى “نكبة” (هزيمة) جديدة، فلا بد من إنهائه كونه – ضمن أمور
أخرى – يؤدي إلى تعقيد الجهود الرامية إلى التجديد المؤسسي، مع الإقرار بأن منظمة
التحرير الفلسطينية (رغم تنامي ضعفها) ما زالت المفتاح لإحياء المشروع الوطني
الفلسطيني.