بقلم: ماهر أبو طير
مرت قصة اقتحام الرئيس الاسرائيلي
للحرم الابراهيمي في مدينة الخليل، وكأن شيئا لم يحدث، اذ على الرغم من الادانات
الرسمية في كل مكان، إلا ان دلالات الاقتحام تقول الكثير لمن يسمعون.
مشكلتنا اولا اننا نركز على المسجد
الاقصى في القدس، والمفارقة أننا لا ننفع القدس، ولا الخليل، ونبدو وكأننا نؤجل كل
الملفات، على اعتبار ان القدس اولا، فيما الذي يحدث هو عملية سطو كبيرة تجري على
كل المواقع، ودون توقف، في محاولة لطمس ومحو هوية فلسطين التاريخية المعروفة،
واعادة انتاج هويتها بشكل متدرج، لتصبح دولة مختلفة تماما خلال العقود المقبلة.
اقتحامات رؤساء اسرائيل او رؤساء
الحكومات ليست جديدة، اذ قبل اكثر من عقدين اقتحم رئيس الوزراء الاسرائيلي آرئيل
شارون الحرم القدسي، وبين كل هذه التواقيت نقرأ عن وزراء ونواب وحاخامات يقتحمون
مواقع دينية اسلامية، مثل المسجد الاقصى، او الحرم الابراهيمي.
الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ يقتحم
الحرم الابراهيمي في الخليل، والجيش الاسرائيلي يعتدي على مئات الفلسطينيين الذين
تظاهروا ضد زيارته، هذا فوق الاوضاع المعروفة داخل الحرم الابراهيمي ، ويكفي ان
نعرف ان الاحتلال خلال العام 2020، منع رفع الأذان في الحرم الإبراهيمي 634 مرة،
اضافة الى منع أذان المغرب، يوميا، ومنع الأذان في صلاة العشاء يوم الجمعة من كل
أسبوع، بحجة دخول السبت المقدس لليهود، ومنع الأذان بأوقات الفجر والظهر والعصر
والمغرب من أيام السبت، ومنذ العام 1994، بات الحرم الإبراهيمي خاضعا لقسمة محددة،
حيث يوجد قسمان، قسم خاص بالمسلمين، وآخر باليهود، إثر قيام مستوطن يهودي بقتل 29
مسلما أثناء تأديتهم صلاة الفجر، في 25 شباط من العام ذاته فيما يعرف بمذبحة الحرم
الإبراهيمي.
الدلالات هنا، ليست دينية، وحسب، بل
دينية سياسية، حيث ان هذا الكلام يؤكد اساسا كل الآراء التي تقول ان اسرائيل لن
تتنازل عن الضفة الغربية، ولن تسمح بقيام دولة فلسطينية، صغيرة او كبيرة، لأن
الضفة الغربية لها مكانة دينية عند الاحتلال، واقتحام الرئيس الاسرائيلي، لا يحمل
دلالة مشاركته لليهود فقط، احتفالا دينيا، وحسب، بل ولكونه في هذا الموقع، فهو
يؤكد نظرة كينونة الاحتلال الى كل فلسطين، بما في ذلك الضفة الغربية، التي يراد
فقط ادارة موضوع اهلها، باعتبارهم مجرد سكان، توطئة للوصول الى حلول جذرية بخصوص
هؤلاء السكان المؤقتين.
لن تتراجع اسرائيل تحت وطأة الادانات
السياسية، فقد خبرتها على مدى عقود، وليس ادل على ذلك ان كل العرب يتحدثون عن
مفاوضات السلام، واحلامهم بعودة هذه المفاوضات، فيما تترك لنا اسرائيل هذا الجانب،
وتواصل مصادرة الاراضي، وبناء المستوطنات في كل مكان، في القدس والضفة الغربية،
وآخرها ما يجري في مطار قلنديا المقدسي، من بناء اكثر من عشرة آلاف وحدة سكنية،
ستؤدي في المحصلة الى تغير البنية البشرية في القدس، واضعاف الوجود الفلسطيني.
هذا يثبت من ناحية ثانية الرأي الذي
يقول ان الصراع في اساسه صراع ديني، إذ إن دولة اسرائيل قامت على فكرة توراتية،
وتحولت الى مشروع سياسي، والغريب انك تسمع من العرب وغيرهم، من يقول لا نريد ان
نحول الصراع الى صراع ديني، والقصة مجرد احتلال، وهذا التبرع المجاني بتغيير هوية
الصراع، ينسفه الاسرائيليون اولا، ليبدو المشهد مذلا، فالعربي يقول ان الصراع ليس
دينيا، والاسرائيلي يؤكد له ان الصراع في جوهره، دينيا، وليس ادل على ذلك مما يجري
في المسجد الاقصى، والحرم الابراهيمي في الخليل، وعند مقام يوسف في نابلس، ومواقع
ثانية في فلسطين.
يقال هذا الكلام لكل اولئك الذين
يتفرجون على فلسطين وهي تتعرض الى ابشع حملة لتغيير هويتها الوطنية والدينية
والاجتماعية، وهي عملية متدرجة متواصلة على مدى عقود، وستؤدي الى نتائج كارثية،
على المدى القريب، نتائج تنال من البشر والشجر والحجر، وكل شيء يخصنا.
عن
الغد