بقلم: حسين الرواشدة
هل تسير حركة السياسة في بلدنا بعكس
اتجاه توقعات وطموحات أغلبية الأردنيين؟
قد يبدو ذلك مجرد انطباع عام، لكن
استطلاعات الرأي، على اختلافها، تعزز ذلك وفق أكثر من مؤشر، أبرزها اتساع فجوة الثقة
بين المجتمع ومؤسسات الدولة، وتصاعد نسبة من يعتقدون أننا نسير في الاتجاه الخاطئ،
ناهيك عن حالة الاضطراب في المزاج العام وما تعكسه من إحساس بالإحباط والخوف على
المستقبل ومنه، وحالة الانقسام في الرأي العام كما تبدو على وسائل الإعلام
والتواصل، ثم عودة الاحتجاجات للشارع والجامعات، وتصاعد صرخات العاطلين عن العمل.
لكي نفهم ذلك نحتاج للتذكير بمسألتين؛
الأولى أن الأزمات التي شهدناها منذ بداية العام الحالي، وهي أزمات عميقة وغير
مسبوقة، استدعت التفكير باستخدام “الصدمة” السياسية لتطمين المجتمع على أن الدولة
جادة بتحديث منظومتها السياسية، وقد حصل ذلك في مطلع حزيران حيث تم تشكيل اللجنة
الملكية.
آنذاك، كان ثمة أمل لدى الناس بأن
السلوك العام للدولة، وكذلك للمجتمع، سيتغير إيجابيا، لكن ما حدث بعد أن انكشفت
حزمة التوصيات وملحقاتها أعادنا لما قبل حزيران، وبالتالي خسرنا الرهان المعقود
على دفع سرعة قطار الإصلاح ليصل قبل قطار نفاد صبر الناس وتحملهم.
أما المسألة الأخرى، فتتعلق بالمقررات
والسياسات التي تعاملت مع الملفات الخارجية بشكل فاجأ الأردنيين، يكفي أن ندقق
بالردود التي جاءت بعد توقيع “إعلان النوايا” لاتفاقية الماء والكهرباء مع
إسرائيل، لنكتشف ما تولد من خيبة تجاه الحكومة التي فشلت بإقناع الرأي العام بما
فعلته، ثم تجاه وعود التحديث التي لم تصمد أمام محاولات بعض الطلاب والناشطين
التعبير عن رأيهم، فتم توقيفهم.
حركة السياسة هنا يمكن أن تفهم في
سياقين؛ أحدهما سياق الاضطرارات التي تدفع المسؤول لاتخاذ قرارات غير شعبية،
انسجاما مع مصالح الدولة والتزاماتها وما يفرض عليها من استحقاقات، والآخر سياق
الاختيارات الخاطئة غير المدروسة التي لا تأخذ باعتبارها الصالح العام، ولا تهتم
بما يفكر به الناس ويريدونه.
السياق الأول يبدو مشروعا، لكنه يحتاج
من الحكومات، عادة، لتقديمه بشروحات ومبررات مقنعة وواضحة، أما السياق الثاني
فيعبر، غالبا، عن منطق استهانة بعض المسؤولين بالمجتمع، وعدم تقديرهم لارتدادات
الفعل السياسي على المزاج والرأي العام.
أزمة الإحباط العام، إذا، تلخص حالة
المجتمع، ويمكن تفسيرها في إطار تراكمات خلفتها حركة المقررات السياسية في
المجالين الداخلي والخارجي، لكنها تعمقت بفعل غياب المصارحة والثقة، وعجز الفاعل
السياسي الرسمي عن المبادرة، وارتباك المطبخ الإعلامي، كما أنها تعززت أيضا مع
تراجع مستوى العيش الكريم لأغلبية المواطنين نتيجة تعسر الحلول الاقتصادية.
لكن الأخطر من ذلك أن أزمة الإحباط هذه
تجاوزت “الولادة الطبيعية” التي يمكن التعامل معها بحلول سياسية واقتصادية سريعة
إلى “صناعة الأزمة” بما تحتمله من تعميق حالة الاحتقان، ودخول أطراف لها مصلحة
بتوظيفها والنفخ فيها، وتحويلها، ربما، إلى ورقة لإضعاف المجتمع وابتزاز الدولة.
ما أخشاه أن تكون المجسات السياسية في
هذه المرحلة معطلة، أو أن يتعمد البعض تعطيلها، ولهذا من واجبنا أن ننبه لخطورة
ذلك، فأسوأ ما يمكن أن نصل اليه هو تبادل اللطم وتحميل كل طرف المسؤولية للطرف
الآخر، ثم التغطية على أزمة الإحباط وتداعياتها بتدابير وتبريرات، وربما معالجات
مغشوشة.
لدينا تجربة ممتدة لأكثر من عشر سنوات
يفترض أن نستحضرها، ونستفيد من أخطائنا فيها، فمصلحة بلدنا أهم من كل الوصفات التي
يقدمها “متطوعون” لا يفكرون إلا في مصالحهم فقط.
عن
الغد