حسنا فعل وزير التربية والتعليم وجيه
عويس إثر تكريمه طالبا في الصف السادس اكتشف وجود خطأ علمي في مادة العلوم. هذا
سلوك تربوي نحسب أنه ستكون له انعكاساته الإيجابية في هذا الطالب بالذات، وربما في
محيطه وفي البيئة التعليمية بأجمعها.
الأمر لم يكلف الوزير شيئا، فكل ما
فعله هو استضافة الطالب في مكتبه، وشكره على نباهته وذكائه، وربما قدم له هدية
رمزية تقديرا عن الشكر على ما أنجزه. لكن للمبادرة معنى أكبر من ذلك بكثير، فقد
غرس الوزير بخطوته هذه حب العلم والتميز وممارسة التفكير العلمي والنقدي لدى هذا
الطالب وغيره من الطلبة، وأكد من خلاله أن ممارسة التفكير الحر فضيلة يكافئ عليها
المجتمع، ما قد يشكل منعطفا مهما في مسار رحلة التعلم لهذا الطالب، ولسلوكه العلمي
والعملي لاحقا.
في المقابل، نقف على تصريح وزير الإدارة
المحلية توفيق كريشان وهو يعرب عن استيائه من تقصير بعض البلديات في النظافة
العامة، ويتعهد بمحاسبة المقصرين الذين لم يأخذوا المسؤولية الملقاة على عاتقهم
على محمل الجد، وتراخوا في واجباتهم التي تعهدوا بها. نرجو من الله أن يهدي الوزير
إلى تنفيذ تعهده، لأن من يقصر في أداء عمله خائن لإمانة المسؤولية، ويجب محاسبته.
الحادثتان تعبران عن مبدأ مهم في
الإدارة العامة، هو مبدأ المحاسبة، والذي تتبعه إما إثابة أو عقاب. وبين التكريم
والتهديد خيط رفيع لا بد من الحفاظ عليه، لأن غياب أي طرف منهما ستكون له نتائج
خطيرة، حيث ستفقد الدولة عندها أصحاب الجهد والعطاء، وتدفعهم إلى أتون الترهل
والعبثية في حال لم ينالوا جزاء تميزهم، فيما سيعيث المقصرون فسادا في الأرض مع
شعورهم بالطمأنينة التي يمنحهم إياها غياب الرقابة وضعف المتابع، ما يستوي معه
الذين يعملون بإخلاص، وأولئك الذين يعملون بتخريب.
في الحالة الأولى، ستنعكس النتيجة في
البلد مزيدا من الجهود المخلصة التي ستدرك حينها أن جهودها ستكون مقدرة، لذلك
سيزدهر التنافس الحر الشريف، وسوف تزدهر القطاعات بالرجال المخلصين. أما في الحالة
الثانية، والتي ستنعكس على البلد نتائجها هي الأخرى، ولكن هذه المرة بخسارات كبيرة
يتحملها البلد في جميع قطاعاته، ما دام مبدأ المحاسبة والثواب والعقاب غائبا من
فكر الدولة، وعندها سيمارس العابثون عبثهم بلا أي خوف من محاسبة قادمة، وسوف ينخرط
آخرون في العبث ما دام أنهم يستطيعون فعل أي شيء مع الإبقاء على حظوظهم عالية بالإفلات
من المساءلة!
معادلة الثواب والعقاب منظومة يجب
ترسيخها إن كنا نتحدث عن إدارة بلد كاملة، فحتى الأخطاء غير المقصودة يجب عدم
السماح بحدوثها في مؤسسات الدولة المختلفة، فما بالك بأخطاء العبث والتراخي والكسل
وعدم الكفاءة؟!
الثواب والعقاب ضرورة حتمية ما دمنا
نتحدث عن منظومة إصلاح إداري، وبأهمية التخلص من العبث الذي ينخر في جسد مؤسسات
الدولة وإداراتها. ينبغي علينا أن نشيع مناخ الشفافية في تقييم الأداء، وأن نشهر
المساءلة في وجه الجميع، فقد يسهم ذلك في إيجاد مفاهيم جديدة للأداء وزيادة
الإنتاجية، وهو أمر بالغ الأهمية لتطوير مستوى الأداء والتميز في المؤسسات
الحكومية.
عن
الغد