بقلم د. المهندس هيثم احمد المعابرة
لم يكن الحسين العظيم – رحمه الله – لينذر عبد الله للأردنيين
لو لم تكن فراسة منه ؛ فالأب ببصيرته يرى ويستقرئ الآت من القادم ، فجعل عبدالله ملكاً
لأن السفينة تلاطمها امواج تحتاج
ربان ماهر في فن القيادة
وكان هذا الشبل الهاشمي عند حسن ظن القائد به فانخرط في صفوف
العسكرية وميادين الشرف ومصنع الرجال، واردف علومه العسكرية بعلوم سياسية وإدارية،
فمن خو الى اكسفورد في بريطانيا إلى إمريكا وعاد ثانية الى الجيش العربي؛ فكان
للحسين ما اراد، فهذا الامير الفذ خاض معترك الحياة باكراً، حتى اشتد عوده، وقوي
بنيانه، واعتدل جسده.
ولان الموت حق ولا خلود في الدنيا ارتحل الحسين الى بارئه ،
مرتاح الضمير ، فقد بنى دولة وأعدّ شعباً واعياً مثقفاً، وأنشأ المدارس والجامعات
والمصانع والمستشفيات وسلح الجيش العربي، وجعل من المؤسسات العسكرية والامنية
الاخرى رديفاً للجيش ومسانداً له.
وما إن تسلم الامير الفذ القيادة خلفاً للباني حتى عزز ما
بناه أبيه، فمنذ توليه سلطاته الدستورية كان كالأسد المتأهب وتجاوزعبدالله الثاني
كل التحديات وشق طريقه متوكلاً على الله غير متخاذل ولا متواني ، فقد اعطى القوات
المسلحة اهتمامًا خاصاً وعمل على تحديث الاسلحة والمعدات وأنشأ المصانع العسكرية
والمدنية ودعم التعليم في شتى المراحل وعمل على تطويره وشجع على فتح الجامعات
الخاصة وعزز الجامعات الرسمية فجعل في كل محافظة من محافظات الوطن جامعة حكومية،
وامتد عطاءه خارج حدود الوطن ومد يد العون والمساعدة للاخرين وهذه من شيم ابناء
هاشم .
فمن هاييتي الى ساحل العاج فالخليج والعراق كان للاردنيين
حضورهم المتميز، ولان فلسطين في قلبه ووجدانه فالقدس عنوان وجوده وكيانه فلم
يتخلى عن المقدسات الاسلامية ورعايتها
المستمرة، فجدد منبر الاقصى وحدث أثاثه وزود كادره وسكنت غزة قلبه فارسل لها
المساعدات والمستلزمات الطبية والمستشفيات الميدانية.
وجاب جلالته ارجاء المعمورة في طلب انهاء النزاع العربي
الاسرائيلي فتمسك بموقفه الذي لم يقبل المزاودة او النكوص عنه وهو حل الدولتين-
لكلٍ دولة لها سيادتها- دون التخلي عن دوره في المنطقة ولم يستكن جلالته ولو
لهنيهة من الزمن فكان يواصل الليل في النهار ، فتاره في واشنطن واخرى في موسكو
وتنقل بين دول العالم من المانيا الى اليونان والعراق وتركيا والخليج والسعودية
والصين ومصر ولبنان واوروبا الشرقية والغربية ، ولم يترك جلالته باباً الا وطرقه
سعياً في ايجاد الدعم المادي للمملكة التي باتت تعاني من قلة الموارد وشح الامكانيات
وما خلفته جائحة كورونا من ضرر لحق بالاقتصاد الاردني ، ويُسجلّ لجلالته سعيه
المستنر لجلب الإستثمار الخارجي للوطن ، في محاولة منه لتوفير الحياة الكريمة
للشعب الأردني ؛ الذي يعاني من الفقر والبطالة في ظل هذه الظروف الصعبة .
وحيث يقع الأردن بحكم الجغرافيا في قلب العالم ، وما يشكلّه
من أهميّة عالمية في حفظ استقرار المنطقة ، وكونه طرفا في الصراع العربي
الإسرائيلي ، كان جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين محط أنظار العالم كله ،
وثقة قادته بحكمة جلالته في التغلب على التحديات والصعاب ؛ فكان جلالته أهلا لهذه
الثقة فعمل على تقريب وجهات النظر بين كافة الاطراف في نزاعاتهم وخصوماتهم ، وما
الأمس عنا ببعيد حيث القمة الثلاثية في شرم الشيخ ، وسبقتها قمة بغداد وقمة
اليونان .
فالهاشميون ركيزة في الحكم منذ مئة عام ، لم يُسجل عليهم
خصومهم أن أعدموا معارضا لسياستهم ، أو أقصوا سياسيا بسبب فكره ومعتقداته ، أو
سفكوا دما ، فهذا ديدن الملك الإنسان الذي
يترفع عن صغائر الامور ويسمو بأخلاق الهاشميين فوق جراحهم .
لم ينسى جلالته يوما أو تناسى دور الشباب في تنمية المجتمع ؛
ولأنهم الركيزة الأساس في المجتمع ؛ فقد أوكل
جلالته الإهتمام بشؤونهم وقضاياهم لولي عهده الأمين الذي أعدّه خير عدة ،
وسلحه بالعلم والمعرفة ، وحصنه بحب الوطن والشعب ؛ فكان أمير القلوب خير سند
لوالده ، يشد من أزره ، ويعمل بتوجيهات الوالد القائد ، الذي كان يصطحبه في
تدريباته ومعسكراته وجولاته .
جلالة الملك عبد الله الثاني لا يعرفه إلا من كان قريبا منه
، أو عمل في معيته ، ملك إذا غضب لا يتخذ قرارا ، وإذا رأى خللاً في وزارة ما لم
يصمت ، وإذا أحس بتقاعص أحد المسؤولين عزله ، وإذا بلغه مظلمة لأحد انتصر له
وأنصفه ، وإذا رأى منكرا صوّبه .
جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ملكا يسكن قلبه وطن ،
وإنسانا يسكن قلوب كل شعبه ؛ فقد أحبوه وبايعوه ، وها هم يجددون البيعة مع إنطلاقة
المئوية الثانية للدولة الأرنية .