الملك وبايدن يعقدان اجتماعًا خاصًا الأسبوع المقبل الاتحاد الأوروبي يدين هجوم مستوطنين على قافلتي مساعدات أردنية متجهتين إلى غزة وفاة عشريني غرقًا في سد كفرنجه رويترز: حماس تؤكد أن وفدها سيزور القاهرة السبت (ميتفورمين) يقلل كمية فيروس كورونا في الجسم مشاركة عزاء من اللواء مأمون أبو نوّار بوفاة الداعية د. عصام العطار حزب العمال البريطاني يطالب بانتخابات تشريعية بعد تفوّقه في المحلية الحسين إربد يجتاز الأهلي ويحافظ على الصداره الملك يهاتف رئيس دولة الإمارات معزيًا بوفاة الشيخ طحنون الأردن يتقدم 14 مرتبة في مؤشر الحريات الصحفية مندوبا عن الملك وولي العهد.. العيسوي يعزي قبيلتي عباد/ المهيرات وبني صخر / الزبن جمعية سواعد الاخاء بجرش تكرم عمال الوطن بمناسبة يوم العمال الملكة تستنكر "العقاب الجماعي" الذي تمارسه "إسرائيل" بحق الفلسطينيين وزيرة التنمية ترعى افتتاح سوق الكرك الاسبوعي التراثي الحرفي - سوق جارة القلعة - صور قصف على رفح وحماس تحضر ردها على مقترح الهدنة

القسم : بوابة الحقيقة
فهد النسور: الصعود على صهوة الظروف القاسية
نشر بتاريخ : 10/2/2021 9:19:46 AM
د. اسعد عبد الرحمن


قد تكون شهادتي في صديقي و"رفيق" الرياضة في نادي السيارات الملكي، المربي والمحامي والقاضي والوزير الاسبق الأستاذ فهد ابو العثم النسور "أبو معن"، شهادة مجروحة! ومع ذلك، أشهد أنه قلما إجتمعت في شخصية دمثة كشخصيته؛ الخبرة والخلق والمعرفة والجرأة، سواء أثناء عمله المديد في قطاعات المحاماة والقضاء والمطبوعات والنشر والوزارة، التي ترك فيها كلها بصمات ومآثر، وعالج أو نزع فتيل العديد من القضايا والمواقف والأزمات بروية وحكمة.  

"محدث الذكريات" معالي "أبو معن"، كما جاء في كتابه الصادر مؤخرا (حديث الذكريات في رحلة الأيام والسنوات) واجه في مستهل حياته – ككل أبناء جيل مطلع الثلاثينات - صنوفا من المصاعب وضروبا من المتاعب "المعذّبة" و"العذبة" في آن!. وقد حدثنا – وهو الشاهد والقاضي معا – عن معاناة الأردنيين في بلد حديث الولادة: بيوته من طين، شوارعه وطرقه من تراب، مياهه يرد المواطنون على منابعها وينقلونها ببراميل على ظهور الدواب، وحيث سادت الأمية كافة الطبقات، وتفشى الجهل في المجتمع، وفرصة التعلم كانت متاحة فقط للنزر اليسير من الناشئة، والمدارس لا توجد إلا في بضع قرى، وكان محكوما عليها ألا تتعدى الصف الثالث الإبتدائي، ومن ثم الصف الثاني الثانوي، خلا مدرسة واحدة أمكن لها أن تبلغ الدراسة الثانوية كاملة؛ ألا وهي مدرسة السلط الثانوية. ومن الثابت، أنه من هذه الأخيرة، تخرجت قلة من الطلاب الذين يعتبروا بحق من خيرة الخيرة؛ واصل بعضهم فقط دراسته الجامعية، ومنهم صاحبنا (فهد) الذي تغلب على كل هذه الظروف المستحيلة بالإرادة الصلبة، وبوعي أسرته وتحديدا والده، فكان له لاحقا ما أراد؛ إن في العمل القانوني كمحام ممارس/ متمرس لمدة ناهزت الـ (20) عاما، وإن في السلك القضائي على أوجهه المختلفة؛ في القضاء العادي و -الإداري والدستوري الذي كان غالبا في ممارسته العملية، ليس فقط كقاض وإنما كمحام أيضا-، فضلا عما كان قد عهد إليه من مهام رئيسة في تنظيم إتفاقيات دولية في مجالات حقوق الإنسان ومقاومة التطرف والإرهاب..إلخ..إضافة إلى ممارسته أصول التشريع وإعطاءه الفتاوى الدستورية والقانونية العصرية اللافتة في ديوان التشريع. كيف لا، وهو المؤمن دوما أن العمل في ميداني المحاماة والقضاء قاس ومضن، ومسؤولية لا يقدر قيمتها الا من وعى حجم مسؤوليته تجاه فكرة العدل والعدالة، وادرك أن القضاء والمحاماة صنوان ووجهان لعملة واحدة، لا بد من التعاون بينهما ضمن اطار من الالتزام بأحكام القانون، وبصحية وجود خلافات في وجهات النظر في أي شأن، وأن الإختلاف في الرأي لا ينبغي أن يفسد للود قضية، وأن تطوير القضاء يرتكز على التكوين المهني والاجهزة القضائية المساعدة واعتماد التكنولوجيا الحديثة.

لقد أخذ "أبو معن" عمله القانوني والقضائي وأدبياتهما بكل الجدية المطلوبة، مستشعراً سمو الرسالة المناطة به؛ سواء كقاض وكنائب لرئيس المحكمة الدستورية الأردنية طيلة مدتها الدستورية ما بين الـ 2012 و 2018، أو كقاض ورئيس هيئة في محكمة العدل العليا ما بين الأعوام 1989 و 1997، أو كرئيس للمحكمة الإدارية العليا في جامعة الدول العربية في القاهرة في العام 2006، أو كمستشار قانوني مؤتمن وفاعل في ديوان التشريع في رئاسة الوزراء الأردنية لفترتين ما بين الأعوام 1974 و 1978، والعامين 1988 و 1989، بعد أن كان قد عمل مدعيا عاما فقاضيا للبداية، ثم قاضيا للإستئناف في معان والرمثا والكرك ونابلس والقدس وعمان، وبذلك تكون الفترة التي أمضاها في سلك القضاء الأردني (27) عاما، حلق فيها صاحبنا "أبو معن النسور" "نسرا" مع غيره من نسور ذلك الزمن الجميل، مركزا -كما هي عادته - في أي موقف قانوني أو قرار؛ على التعليل والتسبيب وكيفية استخلاص الأدلة التي يستند إليها، بالاضافة إلى أسلوب صياغته للقرار كقطعة أدبية فنية رائعة وبلسان عربي مبين – وهو الأمر الذي تميز به- مقتفيا أثر الأساتذة الفقهاء الدستوريين والقضاة المصريين.      

 

وأما بالنسبة للميدان الإعلامي ؛ فقد شغل صاحبنا موقع المدير العام للمطبوعات والنشر لفترة قاربت السنتين؛ عرف وعرّف من خلالها قيمة الكلمة ودلالاتها، ودورها في اذكاء الوعي بما يرفع مستوى الصدق والشفافية لدى الأمم، وقدم فيها الأمثلة العملية الجريئة والصادقة واللافتة؛ كالغاءه الرقابة المسبقة على الصحف واكتفاءه بالرقابة الذاتية؛ حتى يشعر الصحفيون ان مسؤولياتهم لا تقل عن مسؤولياته كمسؤول وعليهم ان يمارسوها، وسماحه للصحف العربية بدخول البلاد رغم اساءة بعضها للاردن ليكتشف المواطن حقيقة الامر بنفسه، وإقناعه لرئيس الوزراء ووزير الاعلام آنذاك باتاحة الطعن في القرار الاداري بتوقيف اية صحيفة او تعطيلها، عدى عن تنسيقه واتصالاته المستمرة مع نقيب الصحفيين آنذاك الاستاذ عرفات حجازي والمرحومين جمعة حماد وابراهيم سكجها وآخرين وصولا إلى نقل الحقائق بمهنية وحيادية؛ وإلى إعلام إحترافي يتقبل تعددية الأفكار والاتجاهات واختلاف الآراء؛ ويرفع من شأن الثوابت الوطنية ومصلحة الوطن ضمن قوانين وطنية واضحة ومحددة.

وأما بالنسبة لعمله السياسي، فان اشتراكه في السلطة التنفيذية كوزير للشؤون القانونية أو العدل بالانتداب؛ أنار أمامه سبلا عديدة، وكيف له أن لا يزهو وتمتلئ نفسه بالعزة والكرامة وهو المؤمن أن منصبه الوزاري ومسئولياته إنما هي لخدمة الحق والعدل، وليس لأية مصلحة شخصية آنية أو لكسب ذاتي أو لوجاهة دنيوية، وظلت مفاهيم العدالة تلازمه في ممارسة سلطاته الإدارية كافة، وتولد لديه إحساسا بأنه يطبق نصوص القوانين والدستور وروح النصوص والأهداف التي وضعت من أجلها في تحقيق المساواة بين الجميع، وإشاعة روح العدل لدى المواطنين وممارسة الحريات في الحدود المرسومة لها في الدستور.

كان فهد – وما زال- مقاتلا لم ترهبه قوة الضربات. ولقد ثبت في التاريخ أن النصر في الحياة يحصل عليه بنسبة أكبر من يتحمل الضربات لا من يكيلها!؛ لإن الثابت من مسيرة الحياة؛ أن الجد والإجتهاد مفتاح النجاح، وأن النجاح مرهون بناصية من ينفض غبار الكبوة وينهض للمضي قدما فيما عقد العزم عليه، وأن الإصرار على إكتساب العلم والمعرفة خطوة أولى على سلم النجاح الذي لا تسطيع تسلقه ويداك في جيبك على حد وصفه. وكان في حبه لعمله سر نجاحه، فقد كان شغوفا بالقضاء فكتب له النجاح والتوفيق والتميز. وفي هذا السياق، يتوجب التنويه بأن صاحبنا معالي "أبو معن"حاصل على البكالوريوس في القانون من الجامعة السورية في العام 1958، وله العديد من المؤلفات والأبحاث المنشورة، ومنها كتاب: "القضاء الدستوري بين النظرية والتطبيق"، وكتاب: "القضاء الإداري بين النظرية والتطبيق" الذي يقع في  (750) صفحة،  وقدم له الفقيه الكبير د. احمد كمال ابوالمجد ووصفه بالـ "السفر النفيس" وبالـ "الموسوعة الجامعة"، وكتاب: "من أروقة القضاء"، وكتاب: "دور القضاء العربي المستقل في تنمية ثقافة المجتمع المدني"، و كتاب: "من حصاد السنين: أبحاث ساخنة في قضايا معاصرة"، وكتاب: "مرافعات قضائية في دعاوى إدارية"،  وشارك في عديد المؤتمرات، وله أبحاث ومقالات عديدة في القانون والسياسة والأدب، وقام باعداد العديد من أوراق العمل لمراكز الأبحاث في عمان والقاهرة وجنيف وأوغندا.

أخي وصديقي "أبو معن"،

لقد سعدت بتلقي ومرافقة كتابكم/ هديتكم القيمة، والهدية عندما تكون كتابا فإن قيمتها دائما كبيرة!؛ ولقد سرحت البصر والعقل والبصيرة على مدى فصولها الثلاثة عشر، وقطوفها دانية الثمار والأفكار؛ التي تناولت نشأتكم وأسرتكم ومراحل دراستكم ونشاطكم الفكري والمهني سواء في المحاماة او القضاء او الوزارة. كما سعدت أيضا بعديد الملاحق والوثائق التي توثق رحلتكم في حياتكم العلمية والعملية، ولكم وجدت علمك وحكمتك ومكارم أخلاقك في وصفك الموضوعي، وفي كل كلمة وخلجة ومعاناة في صفحات كتابكم، محكم اللغة، أنيق المظهر، عميق المحتوى، بارع العرض، الذي يدل أول ما يدل على خبرة كاتبه وعمق تجربته، وقدرته على فهم الإنسان على حقيقته والأمور على طبيعتها. ألا بوركت، يا صديقي، وبورك يراعك.

1090 كلمة

 

 

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023