بقلم: حسين الرواشدة
لم تكتمل الصورة حتى الآن لمعرفة تفاصيل العملية الإرهابية التي استهدفت مدينة الكرك، لكن وفق ما توفر من معلومات يمكن ان نقرأ ما جرى في سياقات ثلاثة، الأول ان العملية كانت كبيرة ومخطط لها بشكل محكم، وربما استعجل “الارهابيون” بتنفيذها بعد ان داهمتهم الأجهزة الأمنية في المقر الذين كانوا يختبئون فيه، فلم يجدوا امامهم سوى الهروب والقيام ببعض ما خططوا له بعد التنسيق فيما بينهم، لكن المؤكد انهم استعدوا لها بصورة “حرفية” مما يعني انهم تلقوا تدريبات وربما أوامر، ولديهم أسلحة ومتفجرات تتجاوز مهمتهم في “القلعة” الى أماكن أخرى ولديهم “مساعدون” ستكشف عنهم التحقيقات اللاحقة. السياق الثاني يتعلق بتزامن العملية مع عمليات أخرى جرت في محيط الجوار ومع التطورات التي جرت ضد التنظيمات الإرهابية “داعش تحديداً” في كل من سوريا والعراق، ثم عملية استعادة تدمر من قبل داعش وما يمكن ان يجري من تحولات بعد تحرير حلب من المعارضة المسلحة، كل هذه التطورات والتحولات ليست بعيدة عن تمدد وفيضان الإرهاب من مراكزة الى المحيط، وعن استراتيجية “داعش” ومن يقف وراءها القائمة على تصدير الإرهاب، وخلط الأوراق من اجل التهيئة لاستحقاقات قادمة. اما السياق الثالث فهو ان هذه العملية –اردنياً- لم تكن مفاجئة، فقد سبقتها ثلاث عمليات على الأقل في هذه السنة (اربد، الرقبان، البقعة)، لكنها تبدو مختلفة في الدرجة واقل من ذلك في النوع، فأعضاء الخلية اردنيون كما ان الجغرافيا التي اختاروها تبدو نوعية (الكرك وقلعتها وما تحملانه من رمزية)، رد على ذلك ان لها اكثر من هدف، واختير مسرح عملياتها بشكل دقيق لكي تستثمر في الاستعراض أطول وقت ممكن، وهنا تكمن أهمية رسالتها الإعلامية المقصودة والموجهة الى جمهورها اولاً، والمستهدفين منها ثانياً. اذا دققنا في اهداف العملية سنجد ان هدفها الأول هو الترويع والقتل واختبار الجدار الأمني، نجد ثانياً انها توجهت نحو مرفق السياحة، فالقلعة من اهم الأماكن السياحية في الأردن، واحدى الضحايا سائحة كندية، وكما ان ضرب “اقتصاديات” الدولة – أي دولة- من ابرز اهداف الجماعات الإرهابية ( كما حدث في تركيا بالتزامن)، نجد ثالثاً ان زعزعة تماسك المجتمع واختبار قوته، والثقة بينه وبين الدولة حاضر في المشهد، لكن الرد عليها كان صادما بالنسبة لهذه الجماعات التي جربت هذه الاختبار بالمكان نفسه في حادثة استشهاد البطل معاذ الكساسبة، اذ افرز المجتمع افضل ما لديه من قيم ومشاعر التماسك والتوافق والرفض لكل ماله صلة بالتطرف والإرهاب.
العملية تحمل كما يبدو بصمات داعش، سواء تبنتها او تأخرت في ذلك، وهنا يمكن ان نرصد مسألتين : الاولى ان “ خلايا “ هذا التنظيم التي اكتفت طيلة السنوات الماضية “ بالتعاطف “ والتنظير والمساندة الوجدانية انتقلت الى ميدان العمل، وهذا تحول خطير في مسار استراتيجية داعش الجديدة بعد زعزعة مراكزها واتجاهها الى الاطراف و” الولايات “ التي بايعتها او التي نجحت في تجنيد اعضاء لها فيها، المسألة الثانية هي ان هؤلاء الذين نفذوا العملية الاراهبية يحملون “ دمغة “ التطرف وسبق ان اعتقلوا وسجنوا، وبالتالي فان حضورهم في مشهد “ الارهاب “ ليس مفاجئا، لكن يبقى السؤال حول المخطط الذي كانوا يفكرون بتنفيذة و” جاهزيتهم “ التدريبية والعتادية من اين حصلوا عليها – وهما برسم التحقيق على ما يبدو .
هنا ثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي ارتباط السجون بالارهاب، وهو ملف لابد ان نفتحه، ليس في اطار المراجعات فقط، وانما في اطار القراءة والمتابعة والرصد، ناهيك عن “ التصنيف “ ايضا .
يبقى ان اسجل ملاحظتين على هامش عملية “ القلعة “ الارهابية، الاولى هي ان المجتمع “ الكركي “ قدم لنا “بروفة” حقيقية للمجتمع “ المساند “ وربما المقاتل، وهذه وان كانت تحتاج الى دراسة الا انه يمكن استثمارها في اطار عدم وجود “ حواضن “ اجتماعية للارهاب في بلادنا، فيما تظل حواضن التطرف مسألة تحتاج الى رصد وتمحيص ايضا.
الملاحظة الثانية هي انه اذا كان الارهاب لا يفرق بين ضحاياه كما شهدنا في الكرك فان ذلك يعني ان “ الفتاوى “ التي اعتمدت تكفير المجتمعات وتساهلنا احيانا تجاهها، تضعنا هذه المرة وجها لوجه امام خطورة فتاوى التطرف حتى لو كانت في اطار “ فردي “ وحتى لو كان اصحابها لا يرتبطون بالتنظيمات الارهابية، فالتطرف – مهما كان ومن اي مصدر صدر – يشكل خطرا على مجتمعنا وفتاواه تلهم مثل هؤلاء الشباب على استسهال القتل وتبريره ايضا .
عن الدستور