عادت
قضية حي الشيخ جراح في القدس المحتلة لتتصدر واجهة المشهد الفلسطيني مجددا، مع
سقوط مقترح القضاة في المحكمة الإسرائيلية العليا، خلال جلسة المحكمة التي نظرت في
التماسات 4 عائلات فلسطينية ضد قرارات إخلائها من منازلها في الحي المقدسي وإحلال مستعمرين/
"مستوطنين" مكانهم، بعد أن رفض أهالي الحي و"المستوطنون"
التوصل للتسوية بالشكل المقترح. هذا، ولم تحدد المحكمة موعد إصدار قرارها بشأن القضية،
أو عقد جلسة أخرى للمحكمة، الأمر الذي سيلقي بظلاله على مصير 9 عائلات فلسطينية
أخرى مهددة بالإخلاء من الحي في قضايا ينظر فيها قضاء الاحتلال على انفراد.
وكان
حل التسوية المقترح ينص على أن تبقى العائلات الفلسطينية في بيوتها مقابل تعريفهم
بـ"سكان محميين" (وهو مكررٌ وليس جديدا). أما الجديد بمقترح تسوية
القُضاة فهو أن المحكمة كانت ستعتبر الجيل الصغير (الحالي) من أهالي حي الشيخ
جرّاح هو الجيل الأول وعدم اعتبارهم أبناء الجيل الثالث كما هم معرفون اليوم، وهو
ما يؤجل ويعوّق إمكانية ترحيل السكان من بيوتهم لعشرات السنوات.
ومن
الجديد أيضا أن القضاة سمحوا للمحامين الذين يترافعون عن العائلات الفلسطينية طرح
الإدعاءات الموضوعية، وليس القانونية فقط، بخصوص ملكية الأرض ليظهر أن ملف تسجيل
الأراضي بملكية "المستوطنين" تنقصه تفاصيل قانونية عديدة، وأن التسجيل
تم دون إبلاغ المواطنين الفلسطينيين، وأنه ليس لديهم أي قوشان ببيع الأرض من القرن
الـ19 كما يدعون، وأن الوصي العام حرر هذه الأراضي حين لم تكن بملكية أحد، وأنه
ليس هنالك أي ذكر لاعتراف الفلسطينيين بملكية "المستوطنين" للأرض، وأن
الحكومة الأردنية أعطت الأرض للفلسطينيين، وبعد عام من احتلال القدس، في 1968 تعهد
وزير القضاء الاسرائيلي آنذاك (شمشون شبيرا) أن لا يتم اخراج السكان من بيوتهم
بحجة إعادة الأملاك لليهود أو أي حجة أخرى.
لقد
أكدت الوثائق التي قدمها الأردن للعائلات الفلسطينية المهددة بالإخلاء من الحي،
والتي قامت العائلات بتسليمها للمحكمة الإسرائيلية العليا، أن الأردن عمل بالفعل
على نقل ملكية الأراضي والمباني المقامة عليها والمهدد بالإخلاء في الشيخ جراح،
لملكية العائلات الفلسطينية، غير أن حرب حزيران/ يونيو 1967 عطلت هذه الإجراءات. وأشار
تقرير إسرائيلي أورده الموقع الإلكتروني لصحيفة "هآرتس"، أن "السلطات
الأردنية، سلّمت الجانب الفلسطيني، مؤخرًا، وثائق تتعلق بحي الشيخ جراح المهدّدة
عشرات المنازل فيه بالإخلاء". وأن "الفرق بين هذه الوثائق وتلك التي
سلمت سابقا في نيسان/ أبريل الماضي، كون الوثائق السابقة تتحدث عن نوايا، بينما
تشير هذه الوثائق إلى خطوات عملية لتطويب الأرض بأسماء السكان، وأن المسار
القانوني كان على وشك الاستكمال لولا شن إسرائيل حرب 67 واحتلال مدينة
القدس".
إن
إصرار "المحكمة" و"المستعمرين" على قبول أهل الحي المساومة
يؤشر إلى خوفهم من انتهاء القضية عند قرار التهجير، لذا فهم يحتاجون إلى اعتراف
أهل الحي بهذه الملكية بأي شكل. كما تدرك "المحكمة" أنه في حال حافظ أهل
الحي على وحدة موقفهم، وأفشلوا محاولات شق صفهم عبر المهل المتوالية للوصول إلى
فرض مساومة تدفع أهل الحي للاعتراف بملكية "المستوطنين"، فإن "المحكمة"
ستفشل في تصدير أزمتها إليهم، وستصبح هي أمام خيارين صعبين: فإما أن ترفض
الاستئناف وتضع الحكومة الصهيونية الهشة أمام تحدي تنفيذ التهجير، أو أن تقبل
الاستئناف وحينها ستكون مضطرة لفتح النقاش حول الملكية الأصلية، وهو الباب الذي تصر
المحاكم المتعاقبة على إبقائه مقفلاً لإدراكها أنه سينقلب ضد "المستوطنين".
وبهذا، فإن أبواب المواجهة لم تقفل بعد وستحمل الأيام في طياتها تطورات جديدة.