منذ عام 1613 حكمت عائلة رومانوف الدولة الروسية لمدة
ثلاثة قرون وكان آخر القياصرة هو "نيكولاس رومانوف" الذي ابتدأ حكمه عام
1908. نظراً لظروف الحرب العالمية الأولى وعدم توفر المواد الغذائية بدأت القلاقل
من قبل العمال والفلاحين فيما عرف بالثورة البلشفية وتم إجبار القيصر على التخلي
عن العرش وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية هو وأسرته في قصر ريفي صغير في سيبيريا.
صباح يوم 17 تموز 1917 وردت أنباء للقيصر تفيد بأن أعوانه قد تأكدوا من
رجوعه إلى العرش. أخبر القيصر أفراد عائلته بالأخبار المفرحة. "آناستازيا"،
البنت الذكية المندفعة، ذات الستة عشر ربيعاً وصغرى بنات القيصر، كانت أكثر أفراد
الأسرة فرحاً بالأخبار فقد كانت تواقة للعودة إلى دروس الباليه والموسيقى والرسم.
أخذت "آناستازيا" تقفز فرحاً وتملأ البيت بضحكاتها وهي تداعب شقيقاتها "ماريا"
و"تيتانا" و"أولغا". اكتفى أخوها الصغير "أليكس" ذو
الأعوام الأربعة عشر بمتابعة شقيقاته بعيونه وهو يجلس فقد كان مريضاً بمرض "هيموفيليا
الدم" الذي استنزف قواه.
مرت ساعات اليوم بسرعة فقد كان الفرح يملأ أرجاء المنزل حتى أن الخادمات
قمن بتحضير وجبة دسمة للحراس البلاشفة الاثناعشر بقيادة "يوروفسكي". بعد
منتصف الليل بقليل أيقض يوروفسكي وزملائه عائلة القيصر والخادمات وطلبوا منهم أن
يحضروا أنفسهم لمغادرة القصر الريفي إلى منزل آمن وأكثر فخامة يقع في الجوار. لبس
أفراد العائلة أفخر ثيابهم ومجوهراتهم حسب طلب القيصر. نزل الجميع الدرجات المؤدية
إلى القبو حيث طلب منهم يوروفسكي أن يقفوا أمام الحائط لأخذ صورة لهم لطمأنة الشعب
الروسي أن القيصر وعائلته أحياء. آناستازيا التي كانت الفرحة تملأ عينيها دفعت
أخواتها ووقفت بجانب والدتها بينما وقف أليكس بجانب والده وتوزع الباقون بما فيهم
الخادمات حولهم. وقف يوروفسكي خلف آلة التصوير وقال: "آل رومانوف، لقد حكمت
عليكم هيئة الحزب بالإعدام" وبدون سابق إنذار قام رجال يوروفسكي بإعدام
الجميع رمياً بالرصاص وبدم بارد.
تعالت الصيحات والصرخات وتساقط
أفراد العائلة فوق بعضهم البعض. خر البعض ميتاً والبعض الآخر حاول الاختباء تحت
الجثث المتساقطة. حاول أليكس أن يمسك بقميص والده فاقترب منه يوروفسكي وأطلق النار
على أذنه مرتين. أما آناستازيا فقد اندفعت لتقف أمام والدتها لتحميها من الرصاص فتمزق
جسدها أشلاءً. استمر إطلاق الرصاص وطعن الجثث بالحراب لمدة عشرين دقيقة ثم أخذت
الجثث بواسطة شاحنة عسكرية إلى غابة قريبة حيث تم انتزاع المجوهرات والأسنان
الذهبية للضحايا وتم سكب الأسيد فوق الجثث وإضرام النار فيها قبل دفنها في قبرين
متجاورين حيث تم دفن آناستازيا وأليكس معاً لوحدهما.
حدث تعتيم إعلامي من قبل البلاشفة على هذا الموضوع وفي عهد ستالين منع
ذكر اسم عائلة رومانوف. تمضي الأعوام وتتشابك الأسطورة والواقع فتظهر شائعات كثيرة
تقول أن الأميرة آناستازيا لم تمت وذلك لارتداد الرصاص من المجوهرات التي كانت
تلبسها تحت ملابسها وأنها قد تظاهرت
بالموت ثم هربت من الشاحنة وهي جريحة. ادعت الكثيرات في بولندا وألمانيا وأميركا
أنهن الأميرة الغائبة آناستازيا. عام 2019 وبعد بحث مضني استمر لما يقرب من مئة
عام شمل الأرشيف الروسي المركزي ومذكرات يوروفسكي ومعمل الحمض النووي في هارفارد
بات في الإمكان كتابة الفصل الأخير في قصة عائلة روماتوف وتأكد بأن آناستازيا لم
تستطع الفرار من فرقة الإعدام. هكذا كان "آل رومانوف" معاً في الموت كما
في الحياة وما حدث لهم سيبقى صفحة سوداء في تاريخ روسيا الحديث. بالنسبة لي، أتمنى
أن أموت قبل أحبائي فأنا لا أحتمل الفراق.
[email protected]