مرحلة خطيرة وحاسمة في تاريخ القضية
الفلسطينية تعيشها اليوم مدينة القدس كمدينة عربية فلسطينية. فما يحدث اليوم في
أرجائها نكبة جديدة من نكبات الشعب الفلسطيني. ففي القدس المحتلة اليوم، يدافع
المقدسيون عن أنفسهم أمام أشرس حملات التطهير العرقي في العصر الحديث. يدافعون عن
حياتهم أمام نازية جديدة تبحث عن أرض خالية من السكان الأصليين معتمدة على قانوني
"أملاك الغائبين" و"الأمور القانونية والإدارية لعام 1970"،
وتطبقهما بطريقة تمييزية بناء على جنسية المالك أو أصله. هذا هو ما يحدث حقيقة في
أحياء المدينة المقدسة من سلوان وبطن الهوى والبستان الى الشيخ جراح ووادي الجوز
وفي البلدة القديمة أيضا وغيرها. وهي مشاهد لنكبة فلسطينية من جديد، يريدون القدس
بلا سكان فترجموا التطهير العرقي بكافة مضامينه على الأرض من مجازر وتهجير وتدمير
واستعمار/ "استيطاني" إحلالي.
معلوم للجميع، أن الخط الاستراتيجي
الأساسي بالنسبة لزهرة المدائن من قبل الدولة الصهيونية هو إبقاء القدس كاملة
عاصمة "اسرائيل" غير قابلة للتقسيم، ورفض أي نشاط لا ينسجم مع السيادة
المطلقة لها على المدينة. لذلك، عمليا، ما يحدث في القدس هو حرب مفتوحة ضد
المقدسيين هدفها الإخلال بالميزان السكاني لصالح المستعمر/ "المستوطن"،
الذي بات ينتشر على نحو مرعب في كافة أنحاء الجسم الفلسطيني، ما يضعنا أمام جملة
من المعاني والدلالات الخطيرة جدا، قوامها التطهير العرقي والترانسفير: الحقيقة
الوحيدة التي تشكل قاعدة الحروب للدولة الصهيونية وذلك في استمرار واضح لنهج
المنظمات الإرهابية الصهيونية ما قبل 1948 والمتواصل حتى يومنا.
فكرة التطهير العرقي ولدت مع نشوء
الصهيونية التي دمرت أكثر من (530) قرية وأفرغت (11) مدينة من سكانها. وها هي
اليوم ذات الفكرة/ الخطة تطبق في القدس المحتلة، حيث نشهد المخططات الإسرائيلية
الرامية الى أسرلة وتهويد القدس لتكريس تجزئة الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية،
والتحكم بمساراته، وفقا لخارطة مصالح الاحتلال التي تتركز اليوم على العودة إلى
المفاوضات بعد رحيل (بنيامين نتنياهو)، لتستفرد بالمدينة المقدسة لاستكمال حلقات
تهويد المدينة وفصلها عن محيطها الفلسطيني. فخطط الدولة الصهيونية التهويدية للقدس
بعيدة المدى، وترمي إلى إعادة تشكيل كل مكونات الأماكن الدينية والتاريخية في
المدينة لتتفق مع الرواية الإسرائيلية التوراتية.
للأسف، تنجح المخططات الإسرائيلية
بتغيير صورة وواقع أحياء المدينة المقدسة، خاصة بلدة سلوان وحي الشيخ جراح، وباب
العمود، ناهيك عن المخطط الاسرائيلي لإقامة جسر استيطاني على ارتفاع 350 مترا،
يربط بين جبل الزيتون حتى السور الشرقي للمسجد الأقصى المبارك، ومقبرة باب الرحمة
بالقدس المحتلة، وغيرها الكثير. فصورة القدس لدى اليهودية الصهيونية متعددة
الأركان والعناصر يتداخل فيها التاريخي بالديني، والقانوني بالسياسي بطريقة تكشف
عن تزوير التاريخ وتطويعه خدمة لطروحات الصهيونية وأساطيرها التوراتية ومزاعمها
وادعاءاتها القانونية. وﺘﺭﺘﻜﺯ ﺍﻟﻨﻅﺭﺓ ﺍﻹﺴﺭﺍﺌﻴﻠﻴﺔ ﻟﻠﻘﺩﺱ ﻋﻠﻰ ﻋﺩﺓ ﺃﺴﺱ ﻭﻤﺒﺎﺩﺉ، ﻤﻨﻬﺎ، ﺍﻟﺒﻌﺩ
ﺍﻟﺩﻴﻨﻲ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺴﺘﻨﺩ ﻫﻭ ﺍﻵﺨﺭ ﻋﻠﻰ ﻨﻅﺭﻴﺔ ﺍﻻﺼﻁﻔﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻟﻠﻴﻬﻭﺩ، ﻭﻨﻅﺭﻴﺔ ﺍﻟﻭﻋﺩ ﺍﻹﻟﻬﻲ
لهم ﺒﺎﻟﻌﻭﺩﺓ ﺇﻟﻰ "ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻤﻴﻌﺎﺩ". فحسب ﻭﺠﻬﺔ ﻨﻅﺭهم، ﻓﻼ ﺍﺼﻁﻔﺎﺀ ﻭﻻ ﺃﺭﺽ ﻤﻴﻌﺎﺩ
لليهود ﺒﺩﻭﻥ ﺍﻟﻘﺩﺱ، بالإضافة إلى ﺍﻟﺒﻌﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ، ﺍﻟﺫﻱ ﻻ ﻴﺤﻴﺩ ﻫﻭ ﺍﻵﺨﺭ ﻋﻥ الديني.
ننتظر معجزة للإنقاذ في زمن انتهاء
المعجزات؟ كلا، لكننا – بعد الله – نراهن على إرادة أهلنا المقدسيين التي بلغت حد
المعجزة، مثلما نراهن على باقي قوى الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وكذلك في
العالمين العربي/ الإسلامي، والدولي الحر الشريف.