في الأيام الماضية سيطرت مسألة
احتمالية تنشيط السياحة الدينية للمزارات والأضرحة في المزار الجنوبي على النقاش
العام في البلاد، واستحوذت على مساحة كبيرة من السجالات في مواقع التواصل
الاجتماعي؛ الحوار لم يقتصر على فئة الكتاب ورجال الدين بل امتد ليشمل الجميع،
وبدا واضحاً أن المزاج العام ذهب بعيداً في انحيازه ضد الفكرة.
للأمانة حاولت أن ابحث عن تصريح رسمي
يتحدث عن تفاهمات بهذا الشأن فلم أجد مطلقاً أي إشارة بهذا الخصوص؛ ربما جاء الربط
من خلال ازدياد مستويات التنسيق بين الأردن والعراق والذي توج باللقاء الثلاثي
الأردني العراقي المصري بالرغم أن الحديث كان يتركز على التنسيق في مجالات النفط
والطاقة الكهربائية والمدن الصناعية والأمن الغذائي.
هناك من فسّر زيارة جلالة الملك لمسجد
الصحابي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه- في مدينة المزار الكرك قبيل زيارته لبغداد
للمشاركة في القمة في هذا الإطار باعتبارها رسالة بالرغم من أن الزيارات الملكية
لا تنقطع عن زيارة الأضرحة التي تحظى برعاية هاشمية، ونادرا ما يمر عام إلا ويزور
الملك الأضرحة ويصلي فيها.
في الزيارة الأخيرة تفاجأ القائمون على
خدمة المسجد بسؤال الملك عن أماكن تسرب المياه في إحدى جهات المسجد، ونظام الصوت
وفرش المسجد بالسجاد الحديث، وأوعز فورا بإجراء الصيانة وتجهيز الأضرحة في دلالة
واضحة أن الملك يتابع أدق التفاصيل للأضرحة والمزارات وهي سنة هاشمية منذ تأسيس
الدولة، ويمكن فهمها في هذا الجانب.
على كل حال السياحة الدينية بشكلها
الفردي لم تنقطع يوما عن هذه الأماكن، وقد شهدت وأنا من سكان المنطقة ومنذ عقود
قوافل الحجيج السوريين واللبنانيين والأتراك والشيشان والإيرانيين والهنود
والباكستانيين يزورون الأضرحة للعبادة والصلاة، وهم عائدون من موسم الحج وكان أهل
المنطقة يكرمونهم ويحرصون على توفير سبل الراحة لهم بعيداً عن أي شعور وقلق وهواجس
من الاستهداف والتأثير المذهبي.
صحيح أن المزاج العام تغير كثيراً منذ
احتلال العراق وبدا وكأن عملية الفرز الطائفي والمذهبي تتعزز وتنتشر في المنطقة
حتى في بلد مثل الأردن اتسم تاريخيا باعتداله واستقراره الديني ولكن تداعيات
المواقف السياسية والصراعات الإقليمية خلقت تخندقاً مقلقاً حتى وأن بدا دينياً
ولكن في حقيقته لا يغدو كونه تعبيراً عن الصراع السياسي بين الأطراف الإقليمية
التي تحكمها مصالحها ومخاوفها وقد يبدو الدين مجرد أداة توظف في الصراع.
ربما المناسب أردنياً في هذه المرحلة
أن يكون النقاش العام هادئًا ومتحررًا من كل المخاوف والهواجس التي أخذت مساحة
كبيرة في السنوات الأخيرة بعد موجة ما سمي بالربيع العربي، وانخراط إيران في ملفات
المنطقة وموجة الإرهاب التي داهمتنا وخلقت هذا الفرز المذهبي، وأن نفكر بمنطق
المصالح الاقتصادية المضبوطة سياسياً وأمنياً كما يفكر الآخرون دون أن نغفل قدرتنا
كدولة ومجتمع على الصمود أمام أي محاولات اختراق، ونتذكر أن يحمل مشروع رسالة عمان
عن الإسلام المتسامح الذي يقبل الآخر ضمن الثوابت والجوامع التي تتوافق عليها
الأمة.
نحن جزء من العالم، ولا نستطيع أن نعيش
بمعزل عن حركة التطور فيه، ولنتذكر أن الخلافات بين السعودية وإيران وصلت حد
القطيعة في مرحلة ما لكنها لم تحل دون استمرار المشاركة في مواسم الحج والعمرة.
لا داعي للقلق والاستسلام للهواجس ولكل
هذا السجال الفائض عن الحاجة، بلدنا لا يعاني من الهشاشة الوطنية والدينية التي
تسمح باختراقنا، وعلينا أن نتحرك بعيداً عن حسابات الآخرين وأولوياتهم؛ الأولوية
لمصالحنا التي تقرها الدولة بوعي ومسؤولية.
عن
الغد