هناك بون شاسع بين ممارسة المعارضة
السياسية الوطنية المسؤولة وبين الرعونة الممزوجة باستعلاء واستقواء بمفردات وخطاب
خارج سياق الزمن؛ وهناك فرق بين النقد السياسي بهدف الإصلاح والحفاظ على الوطن
وبين الدعوة للفتنة والذهاب بالمجتمع لخيارات الفوضى والانفلات والأدهى إعطاء
البعض الحق لنفسه شرعية تمثيل الأردنيين دون تفويض سعياً لصنع البطولات الزائفة.
ما سمعناه وشاهدناه خلال الأيام
الماضية من مظاهر تحريض وتطاول ودعوة للخروج على الدولة ومؤسساتها وبمنطق انقلابي
لم نعتد عليه منذ قيام الدولة قبل مائة عام، بما فيه محاولة الاستقواء غير الموفقة
بمكون من مكونات مجتمعنا الأردني وهو العشائر الأردنية التي كانت ومنذ نشوء الدولة
من عناوين البناء والاستقرار لا الهدم والدعوة للفوضى بل آمنت بالدستور والقانون
كمرجعية لا تقبل المساس.
المؤسف حد الفجيعة أن يظهر بيننا ومن
أعضاء السلطة التشريعية المفترض فيهم المحافظة على الدستور وقد أقسموا على
الالتزام به؛ من يعلن بكل فجاجة عن نيته المبيتة للمساس برأس الدولة ورمزها وحامي
الدستور جلالة الملك عبد الله الثاني في كشف واضح وصريح لطبيعة ما كان يخطط من
مؤامرة لاستهداف الدولة الأردنية وهو ما لا يمكن عزله عما كان يجري من استهداف
للأردن منذ التحضير لصفقة الأردن وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن وما
تلاها من احداث معروفة؛ فشرارة البدء في سيناريو المؤامرة الكبرى ينطلق من نشر
الفوضى وضرب اركان السلم المجتمعي توطئة للسير في المخطط.
نحتاج اليوم لوقفة تأمل ومراجعة مسؤولة
لجملة الاحداث المتلاحقة بدءا من التحريض الممنهج والممول والمستمر على مدار
الساعة عبر منصات التواصل الاجتماعي وعبر ما يوصفون بالمؤثرين والمحرضين من الخارج
ومنهم من ارتد على الدولة التي صنعت منه شيئا ومن يتساوق مع بعض أطراف العملية
السياسية سواء كانوا حزبيين أو بعض البرلمانيين ودورهم في التأسيس لما جرى من خلال
استغلال ظروف الناس المعيشية والبطالة ومفاعيل كورونا والتحريض بحجة غياب الإصلاح
بالرغم من أن ما طرح يتناقض بالمطلق مع أي فكرة للحداثة.
لم يكن من الممكن أن يمر هذا الخروج
الخطير على الدولة دون أن يتحمل مجلس النواب مسؤوليته الدستورية أولاً والأخلاقية
ثانياً بحسم الأمر وإنهاء هذه الظاهرة المعزولة عن ثقافتنا وسلوكنا؛ لقد اعتدنا أن
نتفق ونختلف في المواقف السياسية وحول العديد من القضايا الداخلية ولكن دائما تحت
سقف الدستور والالتفاف حول شرعية الحكم الهاشمي التي نجمع عليها كعنوان استقرار
وثبات للدولة.
لقد انجر البعض مخدوعاً للشعارات
الزائفة التي تدعي الرغبة في استعادة الوطن وكأن وطننا محتلاً -لاقدر الله- وهذا في
سياق موقفهم العدمي ولكن هناك من كان يتحرك ضمن سياق مشروع كبير وخطير له حواضنه
في الداخل وداعموه وممولوه في الخارج وهو ما يستدعي التوقف عنده ومراقبة سلسلة
الاحداث ومحاولة تحريض الشارع منذ قرار مجلس النواب بتجميد عضوية النائب في محاولة
واضحة لتحويل الازمة من ازمة بين النائب ومجلس النواب لأزمة بين الأردنيين
ودولتهم.
هذا وطن مستقر ثابت نجمع عليه وليس
وجهة نظر نناقشها نقبلها أو نرفضها؛ نقف مع كل دعوة صادقة ومخلصة لإصلاح سياسي
حقيقي وجوهري ومحاربة واجتثاث كل بؤرة فساد مالي واداري ثابتة ومؤكدة وتكريس
العدالة لجميع المواطنين دون أفضلية لأحد على آخر إلا بمقدار الإيمان بالأردن
إيمانا صادقاً باعتباره وطناً نهائياً لكل ابنائه وبناته والرفض المطلق لأي محاولة
للخروج على الدولة ومؤسسة العرش فهذه ثوابت لا مساس فيها.
عن
الغد