لطالما
كان التأييد الأمريكي الرسمي سمة أساسية لنجاح "إسرائيل" منذ نشأتها عام
1948، متواكبة مع مساندة قوية من جانب جماعات عريضة من الأمريكيين وخاصة من اليهود
حيث أكبر جالية يهودية في العالم. ومنذ منتصف القرن الماضي، كان ليهود أمريكا
مساهمة فاعلة في تبرير أي فعل سياسي في الولايات المتحدة لدعم الدولة الصهيونية.
اليوم،
يشهد "المجتمع اليهودي" في الولايات المتحدة تحولات متسارعة في الموقف
من "إسرائيل"، بعدما بات أكثر نقدا لها وأقل اهتماما بها خاصة لدى
الأجيال الشابة هناك. فاليهود الأمريكيون الشبان من غير الأرثوذوكس (غير الملتزمين
بالديانة اليهودية المسيسة) يبدون اليوم فتورا متزايدا وصل درجة الابتعاد عن تأييد
إسرائيل، وعدم الاهتمام بها. ويشار إلى أن عددا متناميا من الباحثين والمسؤولين الإسرائيليين
السابقين واليهود قد صعّدوا تحذيراتهم مما وصفوه في السنوات الأخيرة بالشرخ في
العلاقات بين "إسرائيل" وبين اليهود في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من
تأييد الرئيس الأمريكي (جو بايدن) "لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"
خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، كشفت لجان يهودية في مختلف المناطق الأمريكية أن
هناك مظاهر عديدة مقلقة تبين أن مزيداً من اليهود الأمريكيين ينفضون عن إسرائيل
ويستصعبون الدفاع عن سياستها خصوصاً بين جمهور الشباب، وهو الأمر الذي أثر إيجابا
على لغة ومضامين مواقف الحزب والإدارة الأمريكيين.
في
السياق، أوضح البروفسور (شالوم ليفنر) الباحث في المجلس الأطلسي والذي شغل منصب "مستشار
كبير" في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أن "من الخطأ
الفاحش الإركان إلى موقف بايدن وعدم الانتباه إلى التغيرات الحاصلة في الرأي العام
اليهودي الأمريكي. فهناك تيار قوي يتنامى داخل الحزب الديمقراطي، الذي يحظى بـ70% من
أصوات اليهود الأمريكيين، ويتخذ مواقف معادية من السياسة الإسرائيلية، وهذا لا
يبشر بالخير للعلاقات الإسرائيلية – الأمريكية". أما مراسل صحيفة "معاريف"
(شلومو شامير) فيقول: "مكانة إسرائيل في نظر الأغلبية الساحقة من يهود
الولايات المتحدة تقبع في حضيض غير مسبوق". بل إنه في استطلاع حديث، رتب اليهود
الأمريكيون اعتباراتهم في سلم الأولويات: بإدارة أزمة جائحة كورونا، الصحة،
الاقتصاد، العنصرية واللاسامية، والرقابة على السلاح بينما صُنّفت إسرائيل في المرتبة
الأخيرة.
من
جهته، يقول البروفسور (دوف فاكسمان) رئيس "كلية دراسات إسرائيل" في
جامعة كاليفورنيا، إنه يلتقي يهوداً كثيرين يتحدثون منذ حرب غزة عن "صحوة ضد
إسرائيل". وأوضح: "أسمع انتقادات لإسرائيل ليس فقط بين الشباب اليهودي بل
بين أشد أصدقاء إسرائيل قرباً". ويضيف (فاكسمان): "حتى في صفوف شباب
الطائفة الإنجيلية، التي تعد مناصرة لإسرائيل أكثر من اليهود، يوجد تراجع عن تأييد
إسرائيل بسبب الحرب الأخيرة، فالشباب في هذه الطائفة يختلفون عن آبائهم وينتقدون
اليوم إسرائيل أكثر فأكثر. أمريكا كلها تشهد تغييراً. فإذا لم تدرك إسرائيل أن
سياستها تجاه الفلسطينيين لم تعد مقبولة ويجب تغييرها فوراً وبشكل حاد، فإن الأمر
سيصعب على أصدقاء إسرائيل مهمة الدفاع عنها".
ومما
يؤكد كلام (فاكسمان)، تصريحات عديد من النواب بينهم، على سبيل المثال لا الحصر، النائب
من نيوجيرسي (بوب مانديز)، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، الذي كان يعد رمزاً
لليمين داخل الحزب الديمقراطي والذي وقف ضد الرئيس (باراك أوباما) في خلافه مع (نتنياهو)
بل وصوت ضد الاتفاق النووي مع إيران تعاطفاً مع موقف "إسرائيل"، حيث خرج
بتصريحات علنية ضد قصف الأبراج في غزة خلال الحرب الأخيرة. كما أن النائب (جيري
نيدلر) من نيويورك، الذي كان قد قاد حملات لصالح "إسرائيل" في السنوات
الأخيرة، أعلن صراحة بعد الحرب الأخيرة: "نتنياهو يريد لليهود الأمريكيين أن
يغيروا مبادئهم ويقفوا ضدها في سبيل دعمه لكنه يخطئ العنوان.. حكومة نتنياهو
متوحشة".