التطرف
سمة غالبة على المجتمع في الدولة والمجتمع الصهيونيين وهو ما يظهر جليا في اتساع
دائرة المنظمات المتطرفة من حيث العدد والنفوذ في الشارع السياسي الإسرائيلي،
لدرجة أصبحت معه هذه المنظمات تحدد سياسات عامة في تعامل دولة الاحتلال تجاه الفلسطينيين.
فلقد سمح لهذه المنظمات أن تعيث فسادًا على امتداد الجغرافيا الفلسطينية وبالذات
في الأماكن والمعالم المقدسة بغية تهويدها أو إزالتها لخلق واقع خال من
الفلسطينيين، وفي هذا السياق، تأتي ما تقوم به، ومنذ بداية شهر رمضان، ما تسمى
بـ"منظمات الهيكل" المزعوم بتحريض المستعمرين/ "المستوطنين"
على الاستعداد لاقتحام المسجد الأقصى المبارك في ذكرى ما يُسمى زيفاً "توحيد
القدس" الذي يصادف الاثنين المقبل 28 رمضان (10 أيار 2021).
عديدة
هي المنظمات والحركات والجماعات والتي يستهدف جزء كبير منها هذه الأيام، وعلى وجه
الخصوص، مدينة القدس والمسجد الأقصى (والخليل وبعض نابلس) لعل أبرزها:
"إحياء
الهيكل"، وهي جماعة يهودية من أكثر الجماعات تطرفًا، تسعى لضم الجماعات
اليهودية المهتمة بهدم المسجد الأقصى في جماعة واحدة، وتمثل الإطار العام لمعظم
المنظمات المعنية بما يدعونه "جبل الهيكل"، ويتزعمها الحاخام المسعور (هليل
وايز). وفي السياق، نرصد منظمة "حراس
الهيكل" والتي تعلن صراحة أن الهدف الحقيقي من إنشائها هو تهويد الحرم القدسي
الشريف وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه. وكذلك، منظمة "الاستيلاء على
الأقصى" التي يدعو أعضاؤها علنًا إلى هدم الأقصى، إضافة إلى طرد الفلسطينيين
مما يسمونه "أرض إسرائيل"!!!
ولعل
من أخطر الجماعات، جماعة "جباية
الثمن" أو "تدفيع الثمن"، وهي جماعة سرية شبابية يمينية متطرفة،
ظهرت في تموز/ يوليو 2008 تضم مجموعات من المستعمرين/ "المستوطنين"
غالبيتهم من صغار السن من تلامذة الحاخامين (يتسحاق غينزبورغ) و(دافيد دودكيفيتش)
و(يتسحاق شابيرا) الذين يقفون على رأس المدرسة الدينية "يشيفات" في
مستعمرة "يتسهار"، والتي تعتبر أحد أبرز معاقل المتطرفين اليهود. ويعتنق
ناشطو تنظيم "جباية الثمن" وأنصاره فكرا عنصريا قائما على الكراهية
الشديدة للفلسطينيين، ويدعو إلى قتلهم وطردهم من الأراضي الفلسطينية المحتلّة من
ناحية، وإلى تعزيز الاستعمار/ "الاستيطان" في الضفة المحتلة والإسراع في
تهويدها وضمها إلى "إسرائيل" من ناحيةٍ أخرى. ويكمن خطر هؤلاء في أنهم ينفذون
مقارفات/ اعتداءات على ممتلكات فلسطينيي 48 و67 على حد سواء، وهم يتعمدون ترك
شعارات عنصرية في الأماكن التي تنفذ فيها "عملياتها". وتحظى هذه المجموعات
بدعم واسع من "المستوطنين"، بالإضافة إلى تأييد كبير من بعض الأحزاب
الإسرائيلية والحاخامات، وجيوب بارزة في مكونات الدولة الصهيونية وبخاصة في
المؤسسة العسكرية/ الأمنية.
ومن
أبرز شبيهات عصابة "تدفيع الثمن" مجموعات "فتيان التلال"
الذين يعيش معظمهم في بؤر "استيطانية" في الضفة الغربية المحتلة تسكن في
عزبٍ ومبانٍ منفردة ضمن مناطق مفتوحة، وهؤلاء هم غالبًا من الشبان الذين لم ينجحوا
في أي إطار تربوي، وطردوا من كل مكان، أحيانًا حتى من بيوتهم، وهم يؤمنون
بـ"أرض إسرائيل الكبرى" ويرفضون أي إخلاء "للمستوطنات" في
الضفة الغربية، وينفذون هجمات ضد الفلسطينيين.
إن
جميع المنظمات الدينية والصهيونية التي تشارك في عمليات اقتحام الأقصى (وغيره من
الأماكن الإسلامية المقدسة) تنطلق من فكرة أساسية ومحورية وهي الإيمان
بـ"أساطير تلمودية" وادعاءات صهيونية لبناء ما يسمى بـ"الهيكل
الثالث". هذا، مع العلم أن هناك بعض الجمعيات والمنظمات التي لا تقل خطورة
لكنها تركز مقارفاتها داخل أسوار مدينة القدس، على رأسها جمعية "عطيرا
اليوشنا" التي وضعت نصب أعينها هدفاً رئيسياً وهو استرجاع وبعث وتجديد الاستعمار/
"الاستيطان" اليهودي في أحياء القدس القديمة، حيث نشطت الجمعية في
الاستيلاء واستملاك العقارات والأبنية داخل أحياء مدينة القدس ونقل "المستوطنين"
إليها. إنه "تقاسم وظيفي" بين جماعات/ عصابات يجمعها إطار عريض: استكمال
تهويد فلسطين وبالذات الضفة الغربية والقدس قلبها الأبدي النابض.