لطالما
كانت القارة الإفريقية طوال عقود خلت، إحدى ساحات الصراع العربي الإسرائيلي. لذا،
عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على التغلغل في إفريقيا وخلق علاقات مع دولها
للمصلحة الصهيونية، ولما تمثله القارة السمراء من عمق استراتيجي وسياسي واقتصادي
وأمني وثقافي وحضاري للوطن العربي.
اليوم،
ومع النجاحات الإسرائيلية المتوالية في إفريقيا، لا تسمح "إسرائيل" بالتفريط
في علاقاتها الحيوية مع الدول الإفريقية، وتعمل على تقويتها بتقديم المساعدات
الفنية والعسكرية وتدريب الباحثين والخبراء لهذه الدول داخل "إسرائيل"
خاصة في مجال الزراعة التي تتفوق فيه "إسرائيل". وكذلك من خلال إرسال
الخبراء الإسرائيليين إلى القارة الإفريقية، مع توسع في نطاق عمل رجال الأعمال
الإسرائيليين الذين باتوا حلقة الوصل مع عديد الدول الإفريقية.
إزدهار
العلاقات بين "إسرائيل" وعديد الدول الإفريقية هذه الأيام يذكر بفترة ما
قبل حرب حزيران 1967 حينما ازدهرت علاقات "إسرائيل" وإفريقيا، وشمل كل
الدول الإسلامية جنوبي منطقة الصحارى (دون الدول العربية في شمال إفريقيا) حيث مدت
"إسرائيل" يد المساعدة للسكان وساهمت في رفع مستوى معيشتهم، في وقت تعلم
فيه آلاف الأفارقة واستكملوا دراساتهم في "إسرائيل".
صحيح
أنه ومنذ حرب 1967 بدأت القطيعة بين "إسرائيل" وإفريقيا، إلا أن عديد
الأسباب التي بدأت باتفاقية كامب ديفيد أعادت "إسرائيل" إلى إفريقيا
وبكل قوة، وبدأت تقطف ثمار جهودها باعتبارها دولة تساعد الغير بسخاء، ما حسن
صورتها في العالم، فضلا عن أنها باتت تتواجد في منطقة البحر الأحمر الاستراتيجي.
وبكلمات واضحة، يقول الكاتب الإسرائيلي (اسحق ليفانون): "اليوم توجد لإسرائيل
علاقات مع أكثر من 35 دولة إفريقية، حيث تمد لها المساعدة في مجالات الزراعة،
التعليم، الطب، التكنولوجيا والأمن. وقد أتيح استئناف العلاقة لثلاثة أسباب:
الأول، خيبة الأمل الإفريقية من وعود الدول العربية بالدعم المالي السخي التي لم
تتحقق. الثاني، اتفاقات السلام بين إسرائيل والدول العربية بما فيها اتفاقات
إبراهيم والاتفاقات مع السودان والمغرب. والثالث، وضع إسرائيل الاستراتيجي القوي".
من
الثابت أنه، حتى في فترة القطيعة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، واصلت إسرائيل،
مد أذرعها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية في القارة الإفريقية. أما
اليوم، فمن بين الدول الـ54 التي تتكون منها القارة السمراء تمتلك إسرائيل علاقات
دبلوماسية مع 40 دولة، وهناك 10 سفارات إسرائيلية تعمل فيها، هي جنوب إفريقيا،
كينيا، نيجيريا، الكاميرون، أنغولا، إثيوبيا، أريتريا، غانا، ساحل العاج،
والسنغال، وفي باقي الدول يوجد سفراء إسرائيليون غير مقيمين فيها بصورة دائمة، في
حين أن 15 دولة إفريقية لديها سفارات دائمة في إسرائيل.
إذا
كان العالم العربي قد نجح، فيما مضى، في إيجاد حليف استراتيجي في الدول الإفريقية حين
قامت جميع الدول الإفريقية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي
الآن) بقطع علاقاتها مع إسرائيل، فإن "إسرائيل" اليوم (مع تداعي الجدار السياسي
والاقتصادي والعسكري العربي) باتت تسرح وتمرح كما يحلو لها، خاصة في ظل قوة "إسرائيل"
في المجال التكنولوجي والخدمات الأمنية ما يجعل منها شريكا مهما ليس لدول القارة
الإفريقية فحسب بل لدول العالم الثالث التي تحتاج إلى بنية تحتية أساسية لتطوير
اقتصادها. فهل نعلم، ونتعلم، ونفعل؟