وقفنا
في عدّة مقالات سابقة على هذا الموضوع، وذكرنا أنّ كلّ إنسان سويّ يرغب أن تحتلَّ
الجامعات الوطنية والعربية قِمم التصنيفات العالميّة، بشرط أنْ تكون المعطيات
حقيقيّة والنتائج موضوعيّة، وأن يكون الواقع مصادقاً عليها مطابقاً لها.
وقد
لاحظنا في السنوات الأخيرة إقبالاً هائلاً من بعض الإدارات الجامعيّة على تسلُّق
حبال "السيرك"، والتسابق في التقافز للظفر في أيّة فقاعة إعلاميّة خادعة
تُخفي خلفها الاهتراء العام والعلل الجِسام.
إنّ
الحديث في هذا الشأن ذو شجون، وليس المراد الآن البحث المعمّق في مدى دقّة
المعلومات التي تزوَّد بها مؤسسات التصنيف التي تفترض الصدق والدقّة فيما تتلقاه
وتحكم بناءً عليه، ولا نقصد تتبّع أسباب تفاوت مرتبة الجامعة الواحدة بين نوع
تصنيف وآخر، ولا نسعى إلى إثبات أنّ هذه التصنيفات مجانية أو مدفوعة الأجر، ولا
نهدف إلى ترصّد جهود التصيّد الشكلي والتكييف المزيَّف والتلاعب الرقمي، التي قد
يُلجأ إليها للاعتلاء الوهمي وَفق هذه التصنيفات، فكلّ عنصر مما ذُكر، وغيره
الكثير ممّا لم يُذكر، يطاله البحث ويناله الشّك من أساسه إلى رأسه، لكننا نكتفي
بعرض بعض الأسئلة، وبسط بعض الملحوظات من داخل البيت، وشعاب الواقع، ومرارة
المعاناة، فنقول:
-إن
كانت هذه التصنيفات حقيقية، فلعلّ كثيراً من الفضل مردود لأهله من المدرسين
العالميين المرموقين الذين يغالبون قسوة الظروف ويتغلبون على المصاعب ويواصلون
الجدّ والعمل، وتتلألأ أسماؤهم في سماء البحث العلميّ العالميّ، ويكون إبعادهم عن
المواقع الإدارية جزاءً نكالاً لهم، ولا يترك الشيخ أبو زيد بأقواله فرصة لإظهار
أفعال ذياب وأمثاله.
حقّاً: (الفعل لذياب والصيت لأبو زيد)!!
-
إن كانت هذه التصنيفات حقيقية، فهل علمت تلك المؤسسات المصنِّفة أن بعض الجامعات
المصنَّفة ليس في بعض أقسامها الأكاديميّة سجل وارد وصادر، وأنّ المدرّس يخاطب
إدارة جامعته بعشرات الكتب في موضوع جوهريّ مهمّ عادل يعنيه ولا يتلقّى أيّ ردٍّ
على أيّ كتاب، وعندما يطلب من القسم أو العمادة أرقام الوارد والصادر لكتبه للتأكد
أنها وصلت إلى الجهات المعنية، ومعرفة أسباب عدم الرّد، يُقال له: هذا ممنوع وَفق
التعليمات؟!
-
هل تعرف تلك المؤسسات المصنِّفة أنّ بعض إدارات الجامعات المصنَّفة تتعامل مع
الترقيات الأكاديمية بانتقائية ومزاجية، فتسهّل كل صعب لمن يتملّق إليها أو يتوسّط
عندها، أو يتذلّل لها، وتصعّب كلّ سهل أمام عزيز النفس الذي يأبى هذه الأساليب
الملتوية، ويؤمن أننا في وطن يجب أن يحصل فيه صاحب الحقّ على حقّه بعدالة بعيداً
عن كلّ ما تأنف منه النفوس السويّة وتأباه؟!
-هل
علمَت تلك المؤسسات المصنِّفة أنّ بعض الجامعات المصنَّفة تُدار أحياناً بأساليب
تصيّدية كيديّة، يُلاحَق فيها بعض الجادين غير المنافقين إذا طالبوا بأدنى أساسيات
حقوقهم، وتغيب شمس العدالة بشأنهم، ويسيطر على المشهد ظلام الحقد والتشفّي وصِغر
النفوس، وتتفجّر الأمراض النفسيّة لتنال من صاحب حقٍّ مظلوم، ذنبه العظيم أنّه
يطالب بحقّه من ظالمه؟!
-
هل علمَت تلك المؤسسات المصنِّفة كيف يتمّ اختيار بعض الإدارات الجامعيّة من
الرؤساء ونوابهم، ثمّ العمداء ورؤساء الأقسام، وما المعيار المعتمد في هذا الاختيار،
وما مدى سويّة المُختار أخلاقياً ومهنياً وبحثيّاً بل ونفسيّاً؟!
سيطول
بنا المقام لو مضينا قُدماً في هذا المقال، وسوف ينهال ألف سؤال وسؤال، الإجابات
عنها تؤكد أننا في حالة مرضيّة خطيرة من الانفصام.
فلو
انحدرنا من علياء الأرقام في تلك التصنيفات إلى عالم الواقع، فإننا نجد أنفسنا
غارقين في لُجّة الأوهام، ولن تسعفنا تصريحات الشيخ أبو زيد حين يعتلي الموجة
متذاكياً متنافخاً بأنه يلتزم بالرؤى والتوجهات والتوجيهات والأنظمة والتعليمات،
فهو الذي بيده يئدها ويعارضها ويجردها من مراميها النبيلة، ويفرّغها من مضامينها
الأصيلة.
ليته
يتذكّر الحكمة السائرة لعلّه يتّعظ، وما أظنه سيفعل:
(قد
تخدع بعض الناس كلّ الوقت، أو كلّ الناس بعض الوقت، لكنك لن تستطيع أن تخدع كلّ
الناس كلّ الوقت).
كفانا
ترويجاً زائفاً، لقد ملأتم قلوبنا قيحاً.
نتمنى
أنّ تكون جامعاتنا في أعلى درجات التصنيفات، شرط أن يكون ذلك حقيقيّاً يُصدّقه
الواقع، لا شكليّاً مزيّفاً وهميّاً؛ لأنّ حالنا بذلك سيكون تماماً كما وصفه عروة
الرحّال:
عجــوزٌ
تُرَجّي أن تكون فتيّـة وقد نحل الجنبان واحدودب الظهرُ
تدسّ
إلى العطّار مِيرة أهلها وهل يُصلح
العطّارُ ما أفسدَ الدهرُ؟؟!!