بقلم:
د. أسعد عبد الرحمن
كتب
الكثير عن إعلان المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بصورة رسمية، الصادر في 3 آذار
2021، بخصوص مسألة الشروع في إجراء تحقيق لتقصي شبهات بارتكاب دولة الاحتلال
الإسرائيلي جرائم حرب في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. ويشكل هذا
الإعلان سنداً لمزيد من فضح السياسات الإسرائيلية وإدانتها في المحافل السياسية
والقانونية الدولية. وباعتراف حتى جهات إسرائيلية، فإن ضباط جيش الاحتلال وجنوده
ليسوا وحدهم الذين يجب أن تُقضّ مضاجعهم من هذا التحقيق، بل يُضاف إليهم رؤساء
المستوى الحكومي والسياسي الذين وافقوا على الاستعمار/ "الاستيطان" في
الضفة الغربية، والوزراء الذين ساهموا في توسيع المستعمرات/
"المستوطنات"، وكذلك رؤساء الحركات الداعمة والراعية للمستعمرين/
"المستوطنين".
الكيفية
التي تتعامل بها "إسرائيل" مع التحقيق الدولي في جرائمها باتت معروفة،
خاصة مع قرار حكومة الاحتلال عدم إبداء أي تعاون مع "المحكمة الجنائية"
من جهة، والعمل على تجييش الرأي العام الدولي ضد "المحكمة" من جهة أخرى،
خصوصا عبر حلفائها والطلب منهم ممارسة ضغوط قصوى على المدعي العام الجديد البريطاني
(كريم خان)، مع تزايد الأصوات الإسرائيلية المحذرة من أن الأضرار ستتعدى الجوانب
القانونية إلى السياسية.
المسؤولون
الإسرائيليون يرون أن التعاون مع "المحكمة" سيقيدها لاحقا ويمنعها من
إمكانية التنصل من نتائج التحقيق! لذا، على "إسرائيل" الامتناع كليا عن
التعاون مع إجراءات التحقيق، والمسارعة إلى الرد على إخطار مكتب المدعية العامة
(فاتو بنسودا) بالادعاء أن "المحكمة لا تملك صلاحية للنظر في القضية، لأن
فلسطين ليست دولة"، وأن بعض جرائم الحرب الإسرائيلية "خضعت بالفعل
لتحقيق إسرائيلي داخلي". وفي هذا السياق، انتقد المستشار السياسي والدبلوماسي
الإسرائيلي (ألون بنكاس) رد فعل الحكومة واستراتيجية تعاطيها مع إعلان
"المحكمة"، قائلا: "رد الفعل غير حكيم على أقل تعبير، والادعاءات
المطروحة في ردودهم ليست ذات صلة في سياق الحجج القانونية للدفاع عن الموقف
الإسرائيلي". وختم بالقول: "على إسرائيل ألا تستهتر بالمحكمة والتقليل
من شأنها". من جانبه، أكد وزير القضاء السابق (دانيال فريدمان) أن
"إسرائيل ستعاني من صداع خطير، ويتطلب منها إعادة التفكير في موقفها من
القضية الفلسطينية، لأننا نتهم الفلسطينيين في رفض كل المقترحات المقدمة لهم، وهي
اتهامات أصدقاء إسرائيل في أوروبا والولايات المتحدة ليسوا مقتنعين بها، ونحن
أيضًا مسموح لنا أن نسأل: هل الفلسطينيون في الأراضي الخاضعة لسيطرتنا محميون من
مهاجمتنا، وتدمير ممتلكاتهم، والإضرار بمزارعهم ومحاصيلهم".
ربما
من أهم ما يعنيه الإعلان الصادر عن المدعية العامة أنه يضع مدماكا مهماً أمام
العالم لرؤية سياسات الاحتلال الإسرائيلي حيال الفلسطينيين على نحو أكثر انتقاداً،
فالإعلان بحد ذاته صرخة مدوية بأنه قد حان الوقت كي يدرك العالم أن الاحتلال
الإسرائيلي لا يمكن إزالته عبر مناشدات ودعوات إلى المحتل بتغيير سياساته فقط،
وإنما بخطوات دولية حاسمة. وعليه، اليوم بدأت المعركة الكبرى حيث باشرت
"إسرائيل" بتحشيد قواها (مدعومة من الولايات المتحدة) وكذلك – بالمقابل
– باشرت منظمة التحرير الفلسطينية بتحشيد صلاتها العربية والدولية، وسنعلم في قادم
الأيام ما ستؤول إليه هذه المواجهة.
عدد
الكلمات: 427