وُلد "دايفيدوفيتش" في أوكرانيا لعائلة يهودية تعمل بالزراعة وقد امتهن العمل السياسي منذ صباه فأصبح معروفاً على أنه الخطيب المفوه الذي يدعو إلى الاشتراكية وإسقاط حكم القياصرة في روسيا مثله مثل زميله وصديقه "فلاديمير اوليش اوليانوف" الشهير ب "لينين".

قبض البوليس أثناء إحدى المظاهرات على "دايفيدوفيتش" ونفاه القيصر إلى سيبريا ولكنه ما لبث أن هرب من هناك واتخذ له اسماً جديداً: "ليون تروتسكي". قامت الثورة البلشفية عام 1917 بقيادة لينين فأنهت حكم القياصرة وبدأ نجم تروتسكي يلمع عندما أصبح قائداً للجيش الأحمر الذي قضى على كل المعارضين خلال الحرب الأهلية الروسية التي جرت بعد قيام الثورة.

 ابتدأ النزاع بين تروتسكي و"جوزيف ستالين" الذي كان ُيحَضر نفسه لرئاسة الحزب وتحقق له هذا عندما مات لينين عام 1927. أصدر ستالين حكماً بطرد تروتسكي من الحزب الشيوعي فهرب وتنقل بين تركيا وفرنسا والنرويج قبل أن يستقر في المكسيك حيث عاش حياة مريحة وبدأ بكتابة مقالات تهاجم سياسة ستالين وتنبأ بسقوط الشيوعية.

في مساء أحد أيام عام 1940 أدخلت نتاليا زوجة تروتسكي أحد الزوار وهو صحفي يحمل اسم جاكسون إلى مكتب زوجها وهو جالس يكتب إحدى مقالاته السياسية ثم أغلقت الباب خلفها. بعد دقائق سمعت نتاليا صرخة مدوية وعندما دخلت غرفة المكتب وجدت جاكسون وفي يده فأساً صغيراً بينما تروتسكي يرقد على الأرض تحت الطاولة وحوله أوراق وكتب مبعثرة وكرسي مقلوب والدماء تتدفق من جرح غائر في رأسه فتلطخ شاربه ولحية ذقنه الطويلة. ُقبض على المعتدي وتم نقل تروتسكي إلى المستشفى في مدينة نيومكسيكو حيث قام الجراحون هناك بإجراء عملية لإيقاف النزيف الناتج عن كسر منخسف بالجمجمة. توفي تروتسكي بعد يوم من إجراء العملية وعند التحقيق مع القاتل أفاد أنه أُرسل من قبل ستالين لقتل تروتسكي.

 ُسجن جاكسون لمدة عشرين عاماً في المكسيك عاد بعدها إلى الإتحاد السوفييتي حيث تم منحه وسام "بطل الإتحاد السوفييتي". بقي جميع الزعماء السوفييت ابتداءً من "خروتشوف" مروراً ب"كوسيجين" وانتهاءً ب"غورباتشوف" يتحدثون في خطبهم عن تروتسكي الخائن. بقي أن أقول شيئين: الشيء الأول هو أن تروتسكي لازال ينظر اليه كأحد مؤسسي الحركة الشيوعية والاشتراكية في العالم ويعتبر اغتياله من أهم الأحداث العالمية في النصف الأول من القرن العشرين. أما الشيء الثاني فهو موضوع مقال بتوقيع أحد الجراحين المكسيكيين ظهر حديثاً في المجلة العلمية التي يشرف عليها الكونجرس الأميركي لجراحة الدماغ والأعصاب يتحدث فيه بالتفصيل عن اغتيال تروتسكي و كيف عجز الأطباء المكسيكيون عن أنقاذه. أصبحت العادة أن ُتنشر مقالات غير طبية مثل المقال السابق بالإضافة إلى مقالات أخرى تتحدث عن الفنون الإنسانية مثل النحت والرسم والأدب في الدوريات الطبية و في المؤتمرات الطبية، حيث نستمع إلى رائد فضاء مركبة ابوللو13 وإلى الغواص الذي اكتشف السفينة تيتانيك في قاع المحيط و إلى كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة بالإضافة إلى المحاضرات العلمية المتخصصة. هكذا يفعلون في مؤتمراتهم بدون خطب إنشائية من الوزير والنقيب ورئيس الجمعية ورئيس اللجنة العلمية ورئيس اللجنة الاجتماعية والمحافظ وقائد الشرطة وبدون تلفزيون رسمي يسلط أضواء كاميراته فيعتدل الجميع في جلساتهم ويُبدون اهتمامهم بمتابعة المحاضرات بينما عيونهم تتابع حركة الكاميرا وبعد جلسة الافتتاح يختفي الحضور وتخلو قاعات المحاضرات وتصدر في النهاية توصيات عقيمة، كما نفعل نحن في مؤتمراتنا.

E – mail: [email protected]