ربما ما حدث من أعمال شغب في مبنى الكابيتول الأمريكي، ومن قبله سلسلة
أحداث أكثر دموية، حين قتل قومي أبيض تسعة أشخاص سود في كنيسة إيمانويل الأسقفية
التاريخية في ساوث كارولينا الأمريكية في 2015، والهجوم الوحشي في أوسلو وجزيرة
أوتويا في تموز/ يوليو 2011، ومجرزة المسجدين في نيوزيلندا في آذار/ مارس 2019،
هذه وغيرها، تعكس نمو التهديد العالمي لليمين المتطرف حيث تزداد لغة الانقسام/
الكراهية التي يعاد توزيعها بشكل وأدوات جديدة.
صحيح
أن الأيديولوجية اليمينية وجماعاتها ليست جديدة في أوروبا، لكن نمو الهجرة من
الدول العربية والإسلامية والإفريقية إلى دول "الاتحاد الأوروبي"،
وانتشار الأفكار الشعبوية المتطرفة لدى الأوروبيين كرد فعل على تلك الهجرة، كلها
كانت عوامل أسهمت في صعود اليمين شبه الفاشي في العشرية الثانية من القرن الجديد.
بل إنه، وفق دراسة بطلب من وزارة الخارجية الألمانية، أعدتها منظمة "مشروع
مكافحة التطرف" وشملت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والسويد
وفنلندا، خلصت إلى "صعود حركة جديدة لليمين المتطرف عابرة للحدود تنحو إلى
العنف". وتبين الدراسة أن "المتطرّفين يؤمنون بنظرية "الاستبدال
العظيم" التي تعتبر أن الشعوب الأوروبية البيضاء يجري استبدالها بشكل منتظم
بوافدين من خارج القارة". وتشير الدراسة أن هؤلاء المتطرفين "يعملون
بشكل متزايد على بناء شبكات عابرة للحدود".
لقد
وصلت تأثيرات قوى اليمين إلى مملكة السويد التي تعتبر "رمز الديمقراطية
الليبرالية" الناجحة بدمج المهاجرين في نسيجها الاجتماعي باعتبارهم مواطنين.
وها هو "اليمين المتطرف" بات يمثل مشكلة عالمية حيث ينشط في عديد الدول
لتعزيز زيادة الشعبوية، وهو يتمدد في إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وأماكن أخرى داخل وخارج
أوروبا. وتزداد خطورة نشطاء اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة من سعيهم
إلى بناء روابط عالمية واستغلال جائحة "كورونا" لاستمالة مناهضين
للقاحات وأتباع نظريات المؤامرة. وبذلك، تحولت الجائحة إلى وسيلة يستغلها
المتطرفون من أجل "توسيع نطاق تعبئتهم لتشمل نظريات مؤامرة معادية للحكومات
عبر انتقاد القيود المفروضة". وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الألماني
(هايكو ماس) أن "التطرف اليميني هو أكبر خطر يتهدد أمننا في أوروبا"،
محذرا من حركة "تزداد نشاطاً وترابطاً عالمياً، والمانيا تسعى إلى التصدي
للتهديد عبر تحرّك منسّق مع غيرها من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي".
من
جهتها، كتبت الخبيرة الأمريكية في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية (هيذر
أشبي) تقول: "خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حيث ركز المجتمع
الدولي على تنظيمي "القاعدة" و"داعش" والجماعات التي تتبنى
تفسيرًا معينًا للإسلام لتبرير إرهابها، نمت النزعات اليمينية المتطرفة في جميع
أنحاء العالم. وقدمت منصات وسائل التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة وسائل مهمة
للأشخاص لتبادل الأفكار والتواصل والتعلم من بعضهم البعض بغض النظر عن الموقع
الجغرافي، ما يسهل إقامة الصلات التي كان من الصعب تكوينها من دون ذلك"، مع
انتشار الأيديولوجيا اليمينية المتطرفة وتغلغلها في الأحزاب السياسية الحاكمة في
مجتمعات أوروبية وآسيوية وأمريكية، فعلى سبيل المثال، أصبح (فيكتور أوربان)
المناهض للاجئين والمهاجرين رئيساً لوزراء المجر، وفاز (ناريندرا مودي) وحزبه
اليميني بالأغلبية في الانتخابات الهندية، وهو المشتبه في دعمه لهجمات عصابات
المتطرفين الهندوس على المسلمين في ولاية غوجارات الهندية في العام 2002، وكذلك
ظاهرة صعود الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب)، وتواصل انتشار الأفكار اليمينية
المتطرفة بفوز (جاير بولسونارو) في رئاسة البرازيل.
والحال
كذلك، بات العالم بأمس الحاجة للتعامل مع التطرف اليميني كظاهرة عالمية دائمة
التطور، ومن الضروري للمجتمع الدولي أن يتحد ضد هذا التهديد، كما اتحد في مواجهة
"القاعدة" و"داعش".