بقلم: د. أسعد عبد الرحمن
منذ إعلان الحكومة العراقية عن سقوط تنظيم "داعش" الإرهابي عام
2017، أصبح التنظيم غير فاعل بشكل كبير في ظل استمرار العمليات العسكرية من التحالف
الدولي والجيش العراقي. غير أن العديد من التساؤلات عادت تطرح وبالذات بعد العملية
الكبرى التي نفذها التنظيم في قلب بغداد في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، وراح
ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح، وما تبعها من عمليات شبه يومية مستمرة ينفذها التنظيم
على شكل كمائن ضد الجيش العراقي، حيث يرى المحللون السياسيون أن التفجير كان
"استعراضاً للقوة أمام المؤيدين والخصوم، لإظهار أن تنظيم داعش لا يزال موجوداً
وقادراً على شن هجمات كبيرة".
مع
مغادرة الغالبية الساحقة من قوات الدول الأعضاء في "التحالف الدولي"
المؤسس لمكافحة التنظيم في العراق إثر بدء جائحة فيروس كورونا، يسود القلق اليوم
المجتمع الدولي من عودة ظهور "داعش" في العراق وسوريا. فبحسب وزيرة
الدفاع الفرنسية (فلورنس بارلي): "نلاحظ أن داعش تستعيد قوتها في سوريا، والتنظيم
الذي تبنى كذلك عددا من الاعتداءات في أوروبا في السنوات الأخيرة يعيد بناء صفوفه في
العراق أيضا"، معتبرة أن التنظيم "لم يتم اجتثاثه في بلاد الشام، لذا نحن
لا نزال هناك عبر مهمات تدريبية وعبر مقاتلاتنا".
لقد
أثبت التنظيم حرصه على استمرار تواجد عناصره في الميدان، واستخدام الأدوات والوسائل
التي تساعده في تنفيذ عملياته، خاصة على صعيد استعادة قدراته والتحرك بحرية في المناطق
المفتوحة المنتشرة في العراق وسوريا. وكان التنظيم نجح في فترات سابقة باكتساب خبرات
في التعامل الميداني في العراق وسوريا، مستغلا الثغرات الأمنية وضعف الإجراءات العسكرية،
وحالة فقدان التوازن السياسي والخلافات الداخلية في ذينك البلدين. ففي العراق، كثف
التنظيم عملياته في المناطق الريفية منذ النصف الثاني من عام 2019، مع التركيز على
محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين. وتشير البيانات إلى أنه ينقل مقاتليه من أصحاب المهارات
إلى العراق من سوريا لإذكاء عملية "تمرد جديدة". وفي سوريا، عاود
التنظيم هجماته وانخرط في حرب استنزاف ضد الجيش السوري والمقاتلين الموالين له والقوات
الكردية التي حظيت بدعم واشنطن في التصدي "لداعش". وفي الأشهر الأخيرة، أصبحت
البادية السورية مسرحا لمعارك منتظمة بين إرهابيي التنظيم والقوات السورية المدعومة
من سلاح الجو الروسي.
تنظيم
"دعش" وإن كان لا يزال خطرا، هو بمثابة ظل باهت لما كان عليه من قوة عندما
كان يسيطر على مساحت كبيرة من أراضي العراق وسوريا، وهو لم يفقد فقط الأراضي
الشاسعة التي احتلها بل فقد أهم ما "امتاز" به، وهو الأموال من ضخ النفط
وبيعه في السوق السوداء، وقدرته على اجتذاب آلاف المتطوعين من الشرق الأوسط وأوروبا
وآسيا. ويبقى الأهم في مسألة عودة "داعش" أن لا يجد حواضن إقليمية ودولية،
تمكنه من استعادة حضوره القوي في العراق وسوريا، وهي حواضن وفرت له سابقا سبل الدعم
بكافة أشكاله المالي والتعبوي والعقائدي خاصة عبر تركيا.