القسم : بوابة الحقيقة
لو كنت أملك القرار لبدأت بالمهندسين والمقاولين!
نشر بتاريخ : 2/20/2021 2:34:34 PM
المحامي الدكتور رمزي رشدي الدبك

بقلم: المحامي الدكتور رمزي الدبك

 

في أبجديات التحقيق الجنائي يسعى المحقق للبحث عن الحقيقة ويهدف لكشف المجرمين وربط (الأفعال) التي قاموا بها مع (الأدلة) الملتقطة من مسرح الجريمة أو أدواتها مع النتائج التي تتمخض عن ما إقترفت أيديهم. والتحقيق الذي يُفترض أن يقوم به مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية ليس ببعيدٍ عن ذلك ، حيث يبقى تحقيقاً جنائياً يتسم بالطابع الدولي الذي تحكمه معايير وأعراف دولية ورد النص على غالبيتها في نظام روما الأساسي ، وإن كان السياسيين والقادة العسكريين وجنودهم يمثلون الصورة الأقرب والأوضح للمجرمين (المفترضين) فإن هنالك فئة أخرى من المجرمين يمكن إيجاد "بصمات أصابعهم" في كل سنتيمتر مربع ، ومخططاتهم وما تنتجه "هندستهم" في كل منعطف على الطرق. ألا وهم المهندسون المعماريون والمقاولون والمخططون الذين يُحوِّلون الضفة الغربية إلى (مناطق إسرائيلية ذات طابع يهودي) من خلال قيامهم بهندسة وتنفيذ مشاريعهم والتي تظهر مخرجاتها  بمزيج من البلدات والأحياء "الراقية" من طراز (رمات هشارون) و(سافيون) يختلط بها طابع مجتمعات (التاور والسوكاد) الصهيونية التي انتشرت في الثلاثينيات ، بالاضافة الى المزارع على طراز "الغرب المتوحش" (Wild West-style ranches) ، وضواحي وأسطح على طراز "نيو جيرسي" التي تشبه الشاليهات السويسرية. لكن للأسف كل ذلك لا يوفر عيشاً كريماً وبأسعار مناسبة سوى "لليهود" فقط . وعلى الأراضي الفلسطينية وعلى حساب الحقوق وحرية تقرير المصير والإختيار والتنمية والمستقبل الفلسطيني.

 

   كل ذلك التخطيط الإسرائيلي طويل الأمد حوَّل القرى ومخيمات البدو الفلسطينية إلى (ديكورات شرقيّة) متابعدة وممزقة داخل "فضاء إسرائيلي واسع". فأصبحت المدن الفلسطينية تختبئ خلف الجدران ونقاط التفتيش والأسلاك الشائكة والعلامات التحذيرية . إن المهندسين (المخططين) والمقاولين (المطورين) الإسرائيليين هم أول من استفاد من سرقة الأراضي والمياه التي يقوم بها الكيان الصهيوني ويتم "تلميع" وقوننة ذلك من قِبل "فقهاء القانون" والقضاة الإسرائيليين. لذلك فإنني أنصح الضحايا الفلسطينيين والقانونيين الذين يمثلونهم التركيز عليهم. وتقديم أسمائهم بشكل مباشر وعلني للمحكمة الجنائية الدولية مع قائمة بجرائمهم والأدلة الشاهدة عليها (مستعمراتهم والطرق المؤدية لها والمنتجات التي تنتجها على مختلف انواعها واشكالها).

 

   لقد قام ويقوم المهندسين والمقاولين الاسرائيليين (بالاشتراك مع السياسيين وبحماية العسكريين طبعاً) بتحويل الضفة الغربية لخليط من "الجيوب" المتناثرة والمنعزلة عن بعضها البعض. و"هندسوا" شبكة طرق سريعة مريحة وواسعة مراراً وتكراراً على الأراضي الفلسطينيينة المسروقة التي لا يملكون وحكومتهم حق مصادرتها وحرموا الفلسطينيين حقهم الانتفاع بها ، وهدفهم من وراء ذلك هو توفير وخلق "واقع" طبيعي يسهلّ الوصول إلى المدن الإسرائيلية دون عوائق. كما خططوا وهندسوا ونفذوا "بوابات حديدية مغلقة" تهدف إلى زيادة المسافات والامعان في تمزيق الجيوب الفلسطينية التي أوجدها الاحتلال ، فأصبحت حرية التنقل والسفر بين الجيوب الفلسطينية أكثر تعقيدًا وإحباطًا.

 

   كل ما تقدم لا يمكن النظر إليه والتسليم به على أنه محض صدفة أو كأفعال يمكن عزلها عن جرائم القيادات السياسية والعسكرية الاسرائيليين بحق فلسطين أرضاً وشعباً . فهنالك الآلاف من الإسرائيليين خريجي أقسام الهندسة على مختلف فروعها في الجامعات الإسرائيلية ، هم شركاء في "وصفة" الفصل العنصري الاسرائيلي . لذلك وعندما تُعِد المحكمة الجنائية الدولية قوائم المشتبه بهم أو الذين سيتم التحقيق معهم ، فإن مساهمة وتدخل اولئك جميعاً المهمة في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المواد: (7/1/(د) و(ي)) من الجرائم ضد الإنسانية ، و(8/2/ (ب)/8) جرائم الحرب من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة يجب ألا تُغفل أبداً. وهي مواد تتعلق أحكامها بالفصل العنصري ، وطرد السكان المحتلة أراضيهم من مكان إقامتهم ، ونقل سكان البلد المحتل إلى الأراضي المحتلة ، بشكل مباشر أو غير مباشر. الجرائم الثلاث - الطرد والاستيطان والفصل العنصري - تغذي وتمكّن وتقوي بعضها البعض.

 

  هنالك "حاجة" فلسطينية بواعثها سياسية ونفسية ووطنية تتوق لرؤية السياسيين والضباط والجنود الإسرائيليين يَمثُلون أمام المحكمة ويَلقون عقابهم بسبب ما إقترفته أيديهم ، من قتل أو إيذاء للآلاف من الأطفال والشبان والنساء والشيوخ العزَّل. لكن لا شك في أن "جيشاً" اخر من المحامين سيوظفهم الكيان الصهيوني للدفاع عنه وعن شخوصه وسيلجأ اولئك المحامين لعشرات "الحيل" والذرائع لتجنب الكشف عن هويات مرتكبي الجرائم الحقيقيين ، مما سيؤدي إلى إطالة آمد المحاكمات لسنوات طويلة وتحويل عملية التقاضي إلى ساحة سياسية او"ملحمة انتقامية" ضد السلطة في الضفة أو حماس في غزة.

 

  أعتقد أنه يجب اختيار الجرائم والمشتبه بهم من "فئات" او شرائح لا يستطيع الكيان الصهيوني النجاح في تصوير الفلسطينيين بأنهم هم المذنبين لمقاضاتهم . وأبسط مثال على سبب أختياري للفئة التي أتكلم عنها كيف سيرد المهندسون (المخططون) والمقاولون (المنفذون) عندما يتم سؤالهم اسئلة من قبيل :  لماذا قاموا ببناء حي "لليهود حصرياً" على أرض قرية فلسطينية؟ هل كانوا يتبعون الأوامر فقط؟ بالتأكيد ستُثبت حساباتهم المصرفية أنهم ارتكبوا جرائم الفصل العنصري مقابل المال. إذا تم التركيز من قبل الفلسطينيين على "مخططي" وبناة المشاريع الاستيطانية فإن ذلك من شأنه أن يضع نظاماً يمتد لعقود طويلة من الزمن أمام المحاكمة إستناداً على مبدأ (التنمية غير المتكافئة) ، كما سيساهم ذلك في الكشف عن تعاون ودور المدنيين الإسرائيليين في إنشاء ذلك النظام . ناهيك عن ما يحققه ذلك من ردع المهندسين (المخططين) والمقاولين (البنَّائين) الجُدد ، الذين سيصطدموا بواقع جديد مفاده : أنتم والقضاة الذين أعطوا "ختم" الموافقة على ذلك النظام والجرائم ستجدون أنفسكم في قائمة المشتبه بهم والمتهمين والمدانين في لاهاي...

 

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023