الرباعيات
هي صيغة الجمع للكلمة العربية "رباعية" والتي تعني أبيات تتألف من أربعة
أسطر على قافية واحدة وتدور حول موضوع معين لتكون فكرة تامة متكاملة. تنسب
الرباعيات إلى الشاعر غياث الدين بن إبراهيم عمر الخيامي (عمر الخيام) والذي ولد
لأب مشهور في صنع الخيام في مدينة نيسابور بإيران عام 1048. تعلم الخيام في
نيسابور فبرع في العلوم الفلسفية والرياضيات والفلك والقانون والتاريخ والطب
والشعر.
اهتم
به السلطان مالك شاه وطلب منه الإشراف على بناء مرصد فلكي في أصفهان كما إشتغل في
تحديد التقويم الفارسي المتبع حتى اليوم. من أشهر كتبه كتاب "الجبر" و
"مشكلات الحساب". كل رباعية كتبها الخيام كتبها منفردة وفي مناسبتها
الخاصة ويعتبر الكثيرون أن الخيام تأثر بشاعرين عربيين كبيرين هما أبو العلاء
المعري وأبو نواس حيث كان الخيام يتقن اللغة العربية وكان ينشد لأصحابه الرباعيات
في مجالسه الخاصة فتحفظ وتنشر و لكنه لم يفكر يوماً أن يضمها في كتاب. يوجد ألف
رباعية تنسب للخيام ولكن المؤكد أن بعضها مدسوس عليه فالمعروف أن مائتان وخمسون
رباعية منها على الأقل تم إثبات أنها رباعيات أصلية نظمها عمر الخيام.
تغطي الرباعيات المسائل الفلسفية والجوهرية مثل
الحياة والموت والسعادة والإيمان بالله وتتغنى بعض الرباعيات بالربيع والزهور
والعشق والخمر والمتعة وتشكو رباعيات أخرى من الطبيعة الفانية للحياة وغياب الشعور
بالأمان فيها. لذلك اعتبر الكثيرون أن الرباعيات تحمل تناقضات كثيرة بين الدعوة
للمجون واللهو وبين طلب العفو والمغفرة. اعتبره بعض الناس كافراً وزنديقاً واعتبره
البعض الآخر متحرراً ومتصوفاً بينما المتتبع لحياته يجد أنه عالم جليل ذو أخلاق عالية
مات على الإسلام عام 1123 وكان عمره آنذاك ثلاثة وثمانون عاماً فتم دفنه في نيسابور
حيث لا يزال قبره موجوداً حتى الآن.
الخيام هو ثالث ثلاثة تميزوا في الإبداع
الإيراني (حافظ شيرازي وجلال الدين الرومي وعمر الخيام). حفظت مخطوطات الرباعيات
في المتحف البريطاني والفرنسي والألماني وفي جامعة كامبريدج وذلك بفضل الشاعر
الإنجليزي فيتزجير الذي ترجم الرباعيات من الفارسية إلى الإنجليزية بعد وفاة
الخيام ببضعة قرون في عام 1868. وجد فيتزجير علاقة بين كل رباعية وأخرى فدمجها في
قطعة واحدة فذاع صيتها وتغلغلت في الثقافة الإنجليزية وتحول الكثير من أبياتها إلى
تعابير شائعة في اللغة الإنجليزية. حظيت الرباعيات بترجمات عديدة من اللغة الإنجليزية
إلى اللغات العالمية الأخرى وصدر لها ما يقرب من الستين ترجمة عربية مثل ترجمات
وديع البستاني اللبناني ومحمد السباعي المصري وأحمد النجفي العراقي ومصطفى وهبي
التل (عرار الأردن).
أما أشهر الترجمات على الإطلاق فهي التي قام بها
الشاعر المصري أحمد رامي الذي كان أول من نقل الرباعيات شعراً من الفارسية إلى
العربية مباشرة عام 1924. ولد أحمد رامي ذو الأصول التركية والمصرية عام 1892 في
القاهرة وكان والده الطبيب الخاص للخديوي عباس الثاني فاختاره ليعمل في جزيرة خاصة
له في اليونان حيث تعلم رامي هناك اللغة التركية واليونانية. تخرج رامي من دار
المعلمين العليا في القاهرة ثم أرسل في بعثة دراسية إلى جامعة السوريون في فرنسا
حيث درس اللغة الفارسية فتعرف على أعمال عمر الخيام وقام بترجمتها لإحساسه أن
الشعر الفارسي لا يخرج عن أشكال وبحور الشعر العربي. انضم رامي إلى المدرسة الرومانسية
الحديثة مع إبراهيم ناجي بعيداً عن المدرسة الكلاسيكية التي ضمت أحمد شوقي وحافظ
إبراهيم. عطاءات رامي الإبداعية غطت مجال الشعر الوطني والعاطفي والوجداني ومجال
الأغنية والسينما والمسرح وترجم أعمال شكسبير الخالدة.
عرف رامي بأسماء عديدة مثل شاعر الحب، شاعر
الشباب، أمير الأغنية وخليفة أحمد شوقي. حملت أشعاره العاطفية ثنائية الحب والحزن
وكانت أول قصيدة غنتها له أم كلثوم من الحان الشيخ أبو العلا محمد وهي قصيدة
"الصب تفضحه عيونه". بعدها ابتدأت علاقة حب من طرف واحد هو طرف أحمد
رامي فلم تبادله أم كلثوم ذلك الحب واحتفظت به شاعراً لأغانيها، وكان حرمانه سبباً
لإبداعه. تألق في شعره باللغة العربية الفصحى واللغة العامية الدارجة فصنع بذلك
لغة ثالثة هي مزيج بين الاثنتين. تميز شعره بالسلاسة وجمال المعاني وعذوبة الألفاظ
ودقة الأحاسيس والرومانسية والعفة والتعفف في التعبير عن الحالات التي يمر بها
العاشق. أصبح رامي وأم كلثوم يجتمعان كل يوم اثنين من كل أسبوع حيث يقوم رامي
بقراءة كتاب جديد لها ثم يناقشها فيه فعرفها على شعراء الغزل مثل مجنون ليلى وكثير
عزة وعلى شعراء المجون مثل أبو نواس وبشار بن برد وعلى شعراء العشق الصوفي مثل ابن
الفارض وابن عربي. تزوج رامي من سيدة مصرية أنجبت له بنتين وولد. تدرج في مناصب
دار الكتب المصرية فأصبح رئيساً لها. حصل على جائزة الدولة التقديرية من الرئيس
عبد الناصر عام 1966 وعلى وسام العلوم والفنون من الرئيس السادات عام 1975. عانى
رامي من حالة اكتئاب شديدة عقب وفاة أم كلثوم فاعتزل الحياة والناس. قال في
رثائها:
ما
جال في خاطري أني سأرثيها بعد الذي صنعت من أشجى أغانيها
تراكمت
عليه الأمراض حتى جاءت وفاته في الخامس من حزيران عام 1981. كتب أحمد رامي ما يقرب
من نصف أغاني أم كلثوم.
من
تلك الأغاني:
رق
الحبيب، قصة حبي، يا ظالمني، دليلي احتار، عودت عيني على رؤياك، حيرت قلبي معاك،
جددت حبك ليه، سهران لوحدي، أنت الحب، يا مسهرني وغيرها. أما أشهر تلك الأغاني على
الإطلاق فهي رباعيات الخيام من الحان رياض السنباطي. كانت أم كلثوم تنظر إلى رامي
المشجع الأول لها وهو جالس في المقعد الثامن بالصف الأول من مقاعد سينما قصر النيل
حيث كانت أم كلثوم تحيي حفلاتها عادةً.
أما
قصيدة رباعيات الخيام فتبدأ بالدعوة إلى السهر واغتنام اللذات والتركيز على جوانب
الحياة المبهجة والمادية:
سمــعت
صـوتا هاتــفا في السحـــر نادى
من الغــــيب غفاة البشر
لا
تشـــغل الـــــبال بماضي الزمان
ولا بـــــآت العيش قبل الأوان
واغنم
من الحـــــاضـــر لــــــــذاته
فلـــيس في طبع الليالي الأمان
أفـــق
خفـــيف الــظل هذا السـحر نادى
دع الـــــــنوم وناغ الوتر
فــــما
أطـــال الـنوم عـــــمرا ولا
قصر في الأعمار طول السهر
ثم
تأتي الحكمة والموعظة والتعمق في محاولة فهم الطبيعة الفانية للحياة:
لا
توحش النــــفس بخوف الظنون واغنم
من الحاضر أمن اليقين
فقد
تســـاوى في الثرى راحل غدا وماض
من ألوف الســـــــنين
لبست
ثوب العيش لم استشـــــــر وحــــــرت
فيه بين شتى الفكر
وسوف
انــــضو الثوب عنى ولم أدرك
لمــــــاذا جئت أين المفر
ثم
تأتي التوبة:
يا
من يحـــــــار الفهم في قدرتك
وتطلب النفس حمى طاعـــتك
أسكرني
الإثـــــــــــــم ولكنني
صـــحوت بالآمال في رحمتك
يا
عالم الأســـــــرار علم الـــيقين وكاشف الضر عن البائسيــــن
يا
قابل الأعـــــذار عدنا إلى ظلك فاقـــــــبل توبـــــة التائبيــــــن
أما
أغاني هذه الأيام فهي سمك لبن تمر هندي. تلك كانت إحدى
أغاني أيام زمان أدب وفن وسمو موسيقى
[email protected]