بقلم: د. منصور محمد الهزايمة
يعتبر الاحتفاء بيوم الإعاقة الذي يوافق الثالث من ديسمبر من كل عام
من أهم الأيام العالمية، التي تحظى باهتمام مدني ورسمي لدى كثير من الأمم والشعوب
والمنظمات الدولية، حيث أن الإعاقة تنتشر في كل أرجاء الأرض، بحيث تعد فئة ذوي الإعاقة
أكبر أقلية على مستوى العالم، ويقدر عددها بحوالي مليار من البشر يشكلون ما يقترب
من نسبة 15% من سكان المعمورة، بل تشير التوقعات الصحية أن الإنسان معرض للإصابة بالإعاقة
المؤقتة أو الدائمة في أي مرحلة من مراحل حياته.
تاريخيا تم إبراز هذا اليوم عام (1992)، عندما أقرته منظمة الأمم
المتحدة كمناسبة توجه دعوة لكل الأمم والشعوب للتعريف بحاجات وطموحات ومعوقات فئة ذوي
الإعاقة، وليشكل مناسبة لمراجعة ما تم إنجازه بشأنها، وما ينبغي أن يسطّر في مسيرتها،
تحت طائلة التشهير بمن يخل بالمواثيق الدولية المرعية بحقهم.
تأتي المناسبة هذا العام في ظل ظروف دولية بالغة الصعوبة، تختلف عما
فات من السنوات، نسبة لما تمر به البشرية من جائحة كورونا التي كان لها عظيم الأثر
في حياة الناس في جميع المجالات، وما رافق ذلك من تدخل السلطات الرسمية في حياة
الناس الصحية من حجر وإغلاق والزام بالإجراءات الاحترازية، وبالتالي كانت فئة ذوي
الإعاقة من أشد المتأثرين بذلك، تبعا لأحوالهم الصحية المتباينة، ولضعف فرص
التنافس مع غيرهم في أحوال معيشية استثنائية، ولذا فإن مراجعة الإجراءات التي تمس
حياة هؤلاء على المستوى المحلى في كل دولة، أو على مستوى المنظمات الدولية والإقليمية،
تعتبر ضرورة لتمكينهم من تجاوز كثير من التحديات، وتحقيق كثير من الطموحات، ليشعر هؤلاء
أنهم جزءٌ من الركب في تنمية مجتمعاتهم، وتحقيق الأهداف المرجوة فيها.
قي ظل هذه الظروف الاستثنائية ينبغي أن يتم التركيز على أحد مواثيق
الأمم المتحدة، المتعلق بالحد من الكوارث والمخاطر، بحيث يتم التعرف عن قرب كيف أثرت
الجائحة في حياتهم، ومحاولة التقليل من أثرها بقدر المستطاع، تبعا لما تقتضي الحال
من ضرورة الحصول على الخدمات الطبية أو النفسية أو تلقي الأدوية أو العلاج الطبيعي،
والحرص على استمرار برامج التأهيل والتدريب والتعليم، كي لا يتسبب ذلك في حدوث
فجوة تعود بهم خطوات إلى الوراء.
طالما شكت فئة ذوي الإعاقة من التهميش في الظروف العادية، لكنها في ظل
الأزمات المحلية والعالمية من حروب وأمراض وكوارث طبيعية؛ كالجفاف والفيضانات والزلازل
تزداد معاناتها، وتقل فرصها في المنافسة، مما يجعل حياة الكثيرين منهم معرضة للموت
أو الإصابة، أو تجعل منهم شخصيات قلقة تمتاز بأنها تخاف على مستقبلها، كما هي في
حاضرها، لا سيما إذا علمنا أن 80% من هذه الفئة تعيش في البلدان النامية التي لا تكاد
تخرج من أزمة حتى تدخل بغيرها، مما يحتم على السلطات المحلية وكذلك المنظمات
الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية أن تكثف جهودها لحماية هذه
الفئة من مخاطر جمة.
أثرّت إجراءات الغلق والعزل والاحترازات الملزمة في حياة ذوي الإعاقة وأسرهم
بشكل فاق ما واجهه غيرهم، فكان لكل فئة خصوصيتها، فمثلا المكفوفين وقعوا في تناقض بين
حاجتهم إلى لمس الأشياء، مقابل زيادة فرص الإصابة لديهم بسبب ذلك، وكذلك فئة الصم
جزئيا أو كليا، بدا أن مشكلتهم تتفاقم نتيجة التباعد الاجتماعي، لتقلل قدرتهم على
الاستماع والفهم، وأثرّ الالتزام بالكمامة في لغة الإشارة التي تعتمد حركة الشفاه،
وعانت فئة التوحد من حاجتها إلى التريض والاختلاط في ظل العزل الاجباري، وبالتالي
زادت المعاناة لدى هولاء وأسرهم، مما القى عليهم مسئولية مضاعفة لتجنب الوقوع فيما
لا يحمد عقباه.
لقد نُشرت معلومات في صحف عالمية تشير أن هذه الفئة تتعرض للتمييز
السلبي، بوضعهم في أخر قائمة الأولويات، فيما يتعلق بتلقي العلاج حول الفيروس، أو بما
يتعلق بفرص استخدام أجهزة التنفس الاصطناعي كما أكد ناشطون أن المعوقين لا يحظون
بالرعاية الصحية المناسبة الخاصة بالفيروس في دول طالما تشدقت بحقوق الانسان
وانتقدت غيرها في ذات المجال.
إن الإحساس العميق بفئات ذوي الإعاقة وخصوصية كل فئة منها، في ظل ظروف
قاهرة تجتاح العالم، تحتم من جميع من لهم تماس بهم من عاملين ومساندين، ومن منظمات
المجتمع المدني والرسمي، أن تولي الاهتمام بهم، بحيث ترفع عن كاهلهم وأسرهم الكثير
ممّا يتحملون من ضغوط حياتية ومعيشية، حيث يُعد ذلك واجبا قانونيا وأخلاقيا، ترعاه
جميع الشرائع السماوية والدنيوية معا.