بقلم: أ.د. إبراهيم صبيح
في العام 1965 دخلت الطائرة الاعتراضية المقاتلة
الميغ 21 الى منطقة الشرق الاوسط حيث امتلك المصريون والسوريون والعراقيون، فيما
بينهم، 62 طائرة. الميغ 21 كانت فخر الصناعه السوفياتيه والطائرة الاكثر تطوراً
وتقنية في العالم فهي تعمل على البنزين الذي اعطاها ميزة السرعة بما يزيد عن ضعفي
سرعة الصوت متقدمة بذلك على طائرات السكاي هوك والميراج الغربية.
لكل هذه الاسباب كان الغرب في
حالة فضول شديد لمعرفة ما يمكن معرفته عن تقنيات الميغ الحديثة والحصول على اسرار
تفوقها. "منير روفا" كان احد الطيارين العراقيين اللذين تم ايفادهم الى
روسيا وكذلك الى الولايات المتحدة للتدريب وهو مسيحي تنحدر عائلته الكلدانية
الكاثولكية من الموصل. اثناء وجوده في أميركا في العام 1965 تم تجنيده للعمل مع
المخابرات المركزية الاميركية والموساد. تم ترتيب لقاء لمنير في فلوريدا مع سيدة
بريطانية اسمها باربرا أخبرته أنها زوجة مدير شركة النفط الاجنبية في العراق.
عندما عاد منير الى العراق توطدت علاقته مع باربرا بشكل سريع وكانا يلتقيان في شقة
قريبة من مسكنها في بغداد. طلب منير من باربرا ان تتوسط له لدى زوجها لكي يساعده
في الهروب من العراق.
في صباح يوم 16 اب من العام 1966 اصطف تشكيل من طائرات الميغ 21 في قاعدة
الرشيد في بغداد استعداداً للقيام بطلعة تدريبية روتينية تحت قيادة آمر السرب "منير
روفا". بدأ الطيارون العراقيون بتشغيل محركات طائراتهم بينما تعمد منير ان
يتأخر بتشغيل محرك طائرته ثم اقلع خلف التشكيل. بعد فترة قصيرة من الطيران ارتفع
منير أعلى من التشكيل وابتعد عنه ولم يرد على نداءات زملائه. اخترق الحدود
العراقية الاردنية فاعترضته طائرتان أردنيتان من نوع هوكرهنتر استطاع الافلات
منهما بفضل السرعه العاليه واتجه نحو منطقة البحر الميت حيث صاحبته الطائرات
الاسرائيلية حتى هبوطه في قاعدة "حتسور" الجوية.
كان في استقباله "مردخاي هود" قائد سلاح الجو الاسرائيلي حيث
تم عقد مؤتمر صحفي تحدث فيه "منير روفا" عن دوافع لجوئه الى اسرائيل
مدعياً انه كان يعاني من التفرقة الدينية في العراق. بعد شهرين من وصول الطائرة
الى اسرائيل تم ارسالها الى الولايات المتحدة الامريكيه حيث تم فحصها من قبل
العشرات من الخبراء الاميركيين والفرنسيين والبريطانيين. بعد ذلك تم اعادة الطائرة
الى اسرائيل ليتدرب عليها الطيارون الاسرائيليون ومن ثم تم وضع الطائرة في متحف
سلاح الجو الاسرائيلي.
ادت هذه العملية الى استبدال
اسرائيل لطائرات الميراج الفرنسية التي تملكها بطائرات الفانتوم الاميركية وخلال
حرب عام 1967 اسقط الاسرائيليون عشرات الطائرات من الميغ 21 التي درسوا نقاط ضعفها
ونقاط تفوقها.
بالنسبة لعائلة منير روفا فقد تم نقلهم جميعاً من بغداد الى الموصل و من
هناك تم نقل العائلة الى ايران و من ثم الى اسرائيل حيث اجتمعوا مع منير الذي اعطي
الجنسية الاسرائيلية واستلم شيكاً بقيمة مليون دولار اميركي. سافر منير وعائلته
الى اميركا ومن هناك الى كندا حيث امتلكوا مطعماً صغيراً ومحطة وقود. يقال ان منير
توفي في كندا نتيجة ازمة قلبيه في العام 1998. كَذَب منير بخصوص ادعائه بالتفرقة
الدينية ضد المسيحين في العراق فقد درس في كلية القوة الجوية العراقية واصبح
طياراً وتم ارساله في عدة دورات الى روسيا وكذلك تم انتخابه لدورة تدريبية في
الولايات المتحدة وخدم في اعظم القواعد الجوية العراقية واكثرها حساسية وتدرج في
الرتب حتى اصبح نقيب طيار وآمر سرب الطائرات التي تدافع عن سماء بغداد. لم يكن
هناك من تفرقة دينية ضد المسيحين في العراق واكبر دليل على ذلك المركز السياسي المتقدم
الذي وصله المسيحي طارق عزيز، رحمه الله.
تلك كانت قصة الطيار العراقي "منير جميل حبيب روفا" الذي حمل
الاسم الحركي "الطائر الازرق".
Email: [email protected]