م. فواز الحموري
عندما يعود العنف للواجهة يكون رد الفعل مؤقتا لحل المشكلة وإطفاء النار قبل امتدادها وتوسعها ، ولكن ثمة عنفا عاما داخلنا يتضح مع أي موقف ومواجهة فيما بيننا ؛ على الدور مثلا أو عند الإشارة الضوئية وحتى في المنزل عند الحديث وتناول الأمور العائلية العادية والتي لا تحتاج الى عنف لإثبات وجهة النظر وقمع الرأي المعارض.
الملفت للنظر نمو العنف داخل النفوس ومنذ الصغر مع الألعاب التي توجه الطفل للقضاء على الخصم بانفعال وحقد وكراهية وعدم تقبل وجهات النظر الأخرى أو الحلول البديلة للتغلب على المشكلة والتوصل الى النتيجة المطلوبة حتى بخسارة مؤقتة دون قذف جهاز اللعب وتحطيمه والانتقام منه.
« لم نعد نتحمل بعض « عبارة تختصر مواقف ردود الفعل على سلوك بسيط يتعاظم ويكبر ويؤدي الى مشاكل كبيرة وجرائم بشعة وانهيار كبير لمنظومة القيم الاجتماعية والأمثلة كثيرة وعديدة ولكن ما سبب ذلك كله وهل الحلول مناسبة وتسير في الاتجاه السليم ؟
نقف قليلا أمام العنف الجامعي ونطالع العديد من الدراسات والتحليلات والبدائل المتاحة ولكن ننسى البيت والبذرة الأساسية للتربية السليمة وغرس القيم النبيلة في النفوس وتربيتها بشكل قائم على معرفة الذات واحترام الاخرين ومعاملة الناس وفق تعاليم ديننا الحنيف و عاداتنا وقيمنا الاجتماعية ومودتنا لبعض وكم من الدهشة والصدمة التي يمكن أن تصيبنا في حال ( لا سمح الله) حدثت مواجهة فيما بيننا كيف ستكون النتائج ، و»هل سنذبح بعض» ؟
ظروف عديدة وعوامل متداخلة تفرض علينا التعامل مع العنف العام بتسامح وتنازل عن الحقوق ولكن لو تم تطبيق القانون والنظام بشكل سريع لما حدثت العديد من التبعيات الأخرى والمرافقة للمشاكل والتي يمكن أن تنفجر في أي وقت ومكان سواء الجامعة أو غيرها.
« قلة « الدين والأخلاق والذوق وراء أكثر المشاكل والتي تكبر في النفوس وتظل حسرة في القلب نتيجة الواسطة والمحسوبية والمجاملة والنفاق والتحيز والاستبداد والظلم والفساد وعدم المساءلة وتطبيق القانون بشكل صريح ولهذا ، هل نرجع من درجة الدين والأخلاق والذوق العام للتصرف وفق ما تمليه علينا واجباتنا قبل حقوقنا ؟
ظهور العنف في الجامعات ليس جديدا ولن يكون الأخير ؛ثمة مواقف ومواجهات يمكن حدوثها معنا في البيت والشارع والمحلات التجارية ومواقف السيارات وعند مدخل العمارة السكنية وعند الإشارات وأماكن كثيرة طالما ان التحصين الذاتي ضعيف وان لغة العضلات هي الأقوى.
أحيانا كثيرة تشاهد مجموعة من الفتية يلعبون الكرة وسط الشارع وتقف عند احتمالات كثيرة للمواجهة ؛ إما أن تمشي وتتركهم في حالهم أو أن تنصحهم بأسلوب تربوي مناسب لهم أو أن تصرخ عليهم وتعنفهم وتتبادل الاتهامات والشتائم معهم فيتدخل أولياء أمورهم وتتفاقم المشكلة وتكبر ويحدث ما لا يحمد عقباه ، فما الحل في مثل هذه المشاكل اليومية والغريب أن لعبهم مقرون بأصوات صاخبة تنم عن روح ليست رياضية على الإطلاق ؟
أعرج على قضية مهمة ضمن المسيرة الأكاديمية والمستوى الأكاديمي الضحل لبعض أعضاء هيئة التدريس ممن لا يقدرون على تحمل الجانب التربوي والأكاديمي معا عند القيام بالتدريس ويخرجون طلبة للمجتمع ضعافا أيضا ولا يملكون مهارات مواجهة الحياة ويقعون مع أول مطب في الحياة العملية ويعلنون الهزيمة فورا.
يتكرر الأمر على مستوى المدرسة فلا نخرج الطالب المميز خلقا وعلما وأدبا في مدرسته ومع أهله ومجتمعه فنحتاج الى سنوات طويلة لتهذيب سلوكه والتعامل معه بحرص وريبة وترقب ، فهل نعدل سلوكنا التربوي داخل البيت والذي يعد ركيزة أساسية لتطورنا الاجتماعي وبناء المجتمع الصالح ؟
« انا أسف « ، «أرجو المعذرة « ، «سامحني « ، « عفوك « ، « معك حقك « ، « انت الصح « ، « حقك علي « ، « ولا يهمك « ، « حاضر « ، « بكل احترام « ، وعبارات من الأدب الرفيع الذي يمكن أن يحل أكبر المشاكل ويزينها بالمودة والرحمة ، فهل نقدر على ممارسة هذا الأدب الرفيع ونقضي على العنف العام ونتنازل عن العنجهية القاتلة والحقد الدفين في نفوسنا تجاه الاخرين ؟
عن الرأي