ندوه لحزب النهضه والعمل الديمقراطي في بلدة الجزازه جرش وفيات من الاردن وفلسطين اليوم الاحد 5 -5 – 2024 "حماس": الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق الارصاد : انخفاض على الحرارة الاحد .. وزخات من المطر الاثنين من وزارة الخارجية للاردنيين في السعودية للمرة 36 في تاريخه.. ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني قانوني : "أمن الدولة " تضرب بيد من حديد في تطبيق حرفية النص في قضايا المخدرات - فيديو استشهاد فلسطينية وطفليها بقصف صهيوني شرق حي الزيتون بغزة جوجل تدفع لشركة آبل مقدار 20 مليار دولار سنويًا باستثناء سرطان الدم.. الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطرا إضافيا للسرطان اليمن.. سيول جارفة تحاصر مواطني المهرة وتحذير من الساعات القادمة العثور على هيكل عظمي بمصر والامن يكثف التحقيقات الصحة العالمية: ألم أسفل الظهر المزمن سبب رئيسي للإعاقة! الحكومة: قانونا الأحزاب والانتخاب ترجمة لتطلعات المواطن وزارة التربية : إجراء اختبار وطني لطلبة الصف الرابع

القسم : بوابة الحقيقة
أُذكـــري يا أيـــام
نشر بتاريخ : 10/16/2020 11:21:49 PM
أ.د. ابراهيم صبيح

في الستينيات من القرن الماضي كان والدي رحمه الله يسافر من وإلى دولة الكويت الشقيق حيث كان ينقل بشاحنته الخضار الأردنية إلى الكويت ويعود بشاحنته المحملة بأعداد من مجلة العربي ومجلة لايف والريدرزدايجست وغيرها لتوزيعها في السوق الأردنية.

 

 الطريق البرية التي تربط الأردن بالكويت كانت تمر من خلال الصحراء في المملكة العربية السعودية وكان والدي من أوائل السائقين الذين استخدموا هذا الطريق البري الوعر في الخمسينيات.

 

ذكر لي والدي أنه في إحدى رحلاته غرزت عجلات الشاحنة في رمل رخو ولم يكن هناك من حل سوى أن يقوم (لوحده بدون مساعدة من أحد وفي وقت المساء هرباً من الحر الشديد) بإنزال حمولة السيارة إلى الأرض ثم إخراج السيارة من منطقة الرمل الرخو إلى منطقة أرض صلبة على بعد مئات الأمتار ومن ثم العودة لحمل البضائع من المكان الذي أنزلها فيه إلى الشاحنة وكل ذلك تحت أنظار ضباع مفترسة لم يبعدها سوى نار أشعلها والدي مع إبقاء محرك السيارة في حالة عمل.

 

تعرفت أنا على مجلة العربي والمجلات الأخرى حيث كان والدي يُمنح عدة نسخ من هذه المجلات فنُبقي بعضاً منها في المنزل ونوزع الباقي على الجيران والأصدقاء والأقارب. في الستينيات كنت ذلك الصبي اليافع الذي يتحسس موقعه في هذا العالم متأثراً بكل ما يدور حوله في محيط عائلته ومدرسته وجيرانه وكانت مجلة العربي أحد عوامل التشكيل الذهني والمعرفي بالنسبة لي.

 

لازلت أذكر دهشتي عندما قرأت ما كُتب عن سباق الفضاء بين الإتحاد السوفييتي وأميركا وأذكر المقال الذي نشره الدكتور أحمد زكي مدير التحرير آنذاك بعنوان "ألا سجل يا تاريخ سجل واذكري يا أيام". كان نائب رئيس التحرير في ذلك الوقت الكاتب والأديب الدكتور محمود السمرة من ضمن مجموعة من الأدباء الذين كانوا يتحفوننا بمقالاتهم الأدبية والتحليلية.

 

تعلمت من العربي الكثير الكثير وكان يثير خيالي زاوية "العلم والاختراع" وخاصة ما تم ذكره عن أن ركاب الطائرات سوف يتوقفون في "المستقبل" عن المشي أو ركوب الأتوبيس من مبنى الطائرة إلى المطار حيث أن مطارات "المستقبل" ستكون مزودة بذراع تأخذ ركاب الطائرة من باب الطائرة إلى داخل المبنى مباشرة. فتحت فمي دهشة عندما كتبوا ذات مرة أنه سيتم التخابر بين الناس في المستقبل بواسطة "التلفون التلفزيوني" حيث يستطيع الشخص مشاهدة الشخص الآخر وهو يتحدث معه.

 

مجلة العربي كانت تحتوي كذلك على زاوية "اعرف وطنك"، عرفت من خلالها عن قرية بيت صفافا الفلسطينية ولم أصدق عندما شاهدت صوراً عن أفراد عائلة من بيت صفافا يحتفلون بزفاف ابنهم في بيتهم المقَسَّم إلى نصفين بواسطة حاجز حديدي من السلك الشائك أقامه الاحتلال الإسرائيلي. تعرفت كذلك على مدينة طرابلس اللبنانية وأم درمان السودانية حيث يلتقي النيل الأبيض بالنيل الأزرق وتعرفت على مدن شمال العراق مثل الموصل وكركوك وأربيل. أذكر أنه كان هنالك في كل عدد من الأعداد الشهرية للعربي مسابقة معلوماتية حيث تطرح أسئلة متنوعة ويكون نصيب الفائز في المسابقة ثلاثون ديناراً كويتياً كانت تمثل ثروة في ذلك الوقت.

 

المهم أنني لم أستطع يوماً أن أفوز بتلك المسابقة لصعوبتها البالغة. في نهاية مجلة العربي كان هنالك نقد تحليلي لكتاب مشهور أو قصيدة شعرية أو نثرية كما أذكر أنني قرأت مقالاً عن "أدسون ارانتس دونا سيمنتو" أو اللاعب البرازيلي الأشهر عالمياً "بيليه" فأحببت كرة القدم والتحقت على أثرها بفريق النادي القوقازي في الزرقاء. قرأت كذلك ذات مرة عن جراح دماغ أجرى عملية في أميركا لإزالة ورم من دماغ شقيقته فأحببت جراحة الدماغ وأصبحت مطلبي وهاجسي.

 

تخيلوا معي تلك العائلة في الزرقاء: أبٌ يواجه صعاب ومشاق السفر، أفراد العائلة من بنين وبنات يدرسون ويطالعون في غرفة واحدة فإحداهن تدرس لامتحان "المترك" والباقي في المرحلة الإعدادية والابتدائية بينما تقوم الأم بعجن وتشكيل وتقطيع الطحين إلى كرات تضعها تحت غطاء السرير حتى "يخمر" ثم نقوم نحن الصبية بحمله إلى المخبز فوق لوح خشبي مستطيل نضعه على رؤوسنا فيخرج من الفرن أرغفة شهية ذات رائحة مميزة فنأكل نصفه على الطريق إلى المنزل. الوالدة تكوي وتطوي الملابس وتنهض بين الحين والآخر لتتفقد الطعام الذي يطبخ على "بابور الكاز" بينما أجلس أنا أتصفح مجلة العربي على ضوء القنديل (اللوكس) وصوت بابور الكاز يداعب جفوني ورائحة الطعام الشهية تملأ أنفي فيزداد اشتياقي للطعام ويزداد تعلقي بالقراءة.

 

 تخيلوا معي منظر أبنائنا وبناتنا هذه الأيام وهم بعيدون جسدياً وذهنياً عن باقي أفراد الأسرة ملتصقون بشاشاتهم الثلاث: شاشة التلفاز (وبرامج الفضائيات السطحية التافهة) وشاشة الكمبيوتر (والدردشة السخيفة المضيعة للوقت والذهن) وشاشة التلفون الخليوي (والرسائل القصيرة والطويلة والمكالمات السطحية). رحم الله أبناء وبنات هذا الجيل الضائع ... جيل الشاشات.

Email:  ibrahimsbeihaz@gmail.com

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023